صار الوضع أكبر من طاقة الناس على تحمّله؛ الفوضى ضربت عميقاً في مفاصل البلد، أمّا الوضع الاقتصادي والمالي فتؤكد دراسات الخبراء والجهات الرسمية المعنية بأنه يشهد تراجعاً كارثياً يستوجب الامساك به قبل السقوط. الوضع الامني ممسوك بشكل عام امام الخطر الارهابي بجهود الاجهزة الامنية والعسكرية، الا انه في الداخل يشهد انحداراً خطيراً مع ارتفاع معدلات الجريمة على انواعها، قتل، سرقة، اعتداءات من كل الانواع، بحيث لا يخلو يوم من حادث او حوادث تتنقّل بين المناطق اللبنانية، بالتوازي مع محاولات لم تكتمل لمكافحة تجار المخدرات على ما حصل في منطقة البقاع في الفترة الاخيرة، حيث برزت امام العملية الامنية التي نفذت في تلك المنطقة، عقبة مثيرة للريبة، وتمثّلث بلجوء العديد من الرؤوس الكبيرة من تجّار المخدرات الى سوريا.
وفي الموازاة، يبرز اشتباك كهربائي متجدد على ظهر البواخر التركية المتنقلة بين معامل الكهرباء من الجية الى الزهراني فمعمل الذوق، وهو اشتباك مرشّح بدوره الى مزيد من التفاقم، في ظل الخلفية السياسية التي تحكمه، ورائحة تطييف هذا الملف ومذهبته، التي بدأت تنبعث في اجوائه.
واللافت انّ هذا الامر دفع في الايام القليلة الماضية الى تبادل رسائل قاسية بين جهات سياسية، وأدى الى اثارة الغيوم في العلاقة بين حركة «امل» و«التيار الوطني الحر»، بعدما كانت هذه العلاقة قد خضعت لعملية اعادة ترميم عبر اللقاء الذي جرى بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار» الوزير جبران باسيل. وكذلك تسبّب بـ«إشكال» والتباسات بين «امل» و«حزب الله»، الامر الذي دفع قيادتي الطرفين الى اجتماع مشترك لتبديد هذه الالتباسات.
عقد الاجتماع في مكتب الوزير على حسن خليل، بحضور المسؤول الامني في «أمل» احمد بعلبكي، والمعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» حسين خليل والمسؤول الامني وفيق صفا. وصدر في نهايته بيان جاء فيه: «جرى نقاش موسّع في القضايا المشتركة، وخصوصاً حول ما حصل في الايام الماضية، ونتيجة وجهات النظر في موضوع الكهرباء التي تناولها الكثيرون سواء عن سوء نية او عن حسن نية، وارفقت بتحليلات إعلامية في محاولة مكشوفة لإثارة الاختلافات بين الطرفين. واكد المجتمعون ان ما جرى لا يعكس حقيقة القرار الحاسم والاكيد لدى قيادتي الطرفين عن العلاقة المتينة التي ترسّخت خلال كل الاستحقاقات، وموقفهما المشترك في مقاربة واحدة للملفات الوطنية والسياسية والانمائية وغيرها، وضرورة تنظيم هذا الامر من خلال الهيئات المختصة».
طلب وساطة
على الصعيد الحكومي، عاد الرئيس المكلّف من سفرته الباريسية، الّا انّ عودته حطّت على أرض جرداء تعاني جفافاً سياسياً مستحكماً بكل مفاصلها، أفسح المجال لسيول من التكهنات حول مستقبل الحكومة، التي اتفقت على انّ ولادة الحكومة متعسّرة بشكل كامل، ولا امل بإبصارها الروح في المدى المنظور، حتى انّ بعضها بدأ يتحدث عن تعطيل مستمر حتى الخريف المقبل، وربما الى ما بعد السنة الجديدة.
أمد التعطيل... طويل
الواضح انّ هذه التكهنات بطول عمر التعطيل، مردّها الى العجز عن كسر حلقة التعقيدات الماثلة في خط التأليف، وتسليم القوى السياسية بهذا العجز، ما اعاد الامور الى ما قبل نقطة الصفر، وهو ما يؤكده الطباخون الاساسيون للحكومة. وهو الامر الذي دفع الرئيس المكلف الى طلب وساطة فرنسية للتدخل مع الرياض لتسهيل تأليف الحكومة. هذه الاجواء اكدتها مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية»، بقولها: انّ ثمة معلومات اكيدة تملكها تؤكد انّ القصد من الزيارة التي قام بها الحريري الى فرنسا اخيراً، هو طلب تدخّل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرة ثانية مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لتسهيل ولادة الحكومة في لبنان، علماً انّ ماكرون تدخّل مع السعوديين منذ فترة غير بعيدة، بناء على طلب الحريري من دون ان يلقى استجابة من قبل السعوديين.
عون: مسلّمات
وفيما اكدت اوساط الرئيس المكلف لـ«الجمهورية» انه ماض في مهمته في تدوير زوايا التعقيدات الماثلة في طريقه، من دون التقيّد بسقف زمني، برز موقف لافت لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رمى فيه كرة التأليف في مرمى الحريري.
فقد كشف مقرّبون من عون لـ«الجمهورية» بأنّ رئيس الجمهورية ينتظر ما سيقدمه له الرئيس المكلف، وبأنّ هناك مسلمات يؤكد عليها عون، وهي:
- احترام نتائج الانتخابات النيابية، وانّ الحكومة يجب ان تكون انعكاساً للمجلس النيابي.
- لا احتكار للتمثيل الطائفي من اي طرف سياسي، حتى لا يتحكم بميثاقية الحكومة.
- لا أحد يأخذ زيادة عن حجمه.
وينقل المقرّبون عن عون اعتباره انّ تفاهم معراب قد سقط، ومهما كان هذا الاتفاق، فهو اتفاق سياسي وليس حكومياً، ولم يحصل أصلاً مع الرئيس المكلف حتى يلتزم به. فاتفاق معراب لم يعد قائماً لأنّ أحد طرفيه لم يحترمه.
ويكشف المقربون انّ رئيس الجمهورية أبلغ موفد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الوزير ملحم الرياشي انّ طلب القوات لحقيبة سيادية يجب ان يوجّه الى الرئيس المكلف، فهو من يشكّل الحكومة، وامّا نيابة رئيس مجلس الوزراء فهي من حصة رئيس الجمهورية.
وبحسب المقربين فإنّ عون لا يفهم اسباب تأخر الحريري بتقديم تشكيلة، فهو، أي الحريري، وحده يعرف هذه الاسباب، وهو حتى الآن مصرّ على رأيه في توزيع الحصص التي لا تحترم معيار نتائج الانتخابات، والكرة في ملعبه. وحيال ذلك يشدّد رئيس الجمهورية، كما ينقل المقربون، على انّ أمام الحريري خيارين، الاول هو تشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس نتائج الانتخابات، والثاني تشكيل حكومة اكثرية، والتي هي الاكثر ديموقراطية.
وفي الملف السوري، ينقل المقربون عن عون قوله: يجب ان ترفع كل الحواجز بين لبنان وسوريا لمصلحة لبنان الاقتصادية، ومعبر نصيب يجب ان يفتح امام الصادرات اللبنانية، ولا يجوز ان نبقي على القطيعة.
عشاء جنبلاط
الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ عشاء في دارة جنبلاط حصل قبل ايام قليلة بحضوره الى جانب الرئيس فؤاد السنيورة والوزير مروان حمادة وشخصيات اخرى، وتخلله استعراض للوضع الداخلي الى جانب تطورات المنطقة. وقالت مصادر مطّلعة على أجواء البحث، انّ جنبلاط ليس في وارد التراجع عن حصته الدرزية الثلاثية في الحكومة على الاطلاق.
وقالت مصادر اشتراكية لـ«الجمهورية»: لسنا في وارد التراجع عن هذا الأمر مهما كلّف الامر، هناك من يقول إنه يريد حصته لا اكثر، ومن يريد أن يعطي أحداً فليعطه من حصته. هذا الأمر ينبغي أن ينطبق عليه اولاً، ولا يتدخل في شأن الآخرين ويحاول أن يفرض توزير هذا او ذاك من الموعودين بالتزوير. هو وعد بعضهم. ووعده يلزمه وحده ولا يلزم الآخرين. فليقلّع هو شوكه بيده، ولن نقبل أن ينفّذ وعده على حسابنا.
وعما إذا كانت مطالبة جنبلاط بحصر التمثيل الدرزي به تستبطن محاولة التحكم بالحكومة من الزاوية الميثاقية، بحيث تصبح هذه الحصة سيفاً يهدد الحكومة في ميثاقيتها قد يلجأ جنبلاط إلى استخدامه في أي محطة، قالت المصادر: هذا كلام سخيف، لا قيمة له، بل يراد منه تغطية محاولة الاستئثار وقضم الحقائب الوزارية. نحن لا نقف عند هذا الكلام، وردّنا سبق أن أكدناه بأن لا تمثيل درزياً خارج وليد جنبلاط، وآن لهم أن يعرفوا ذلك.
وقالت المصادر: جميع الأطراف باستثناء التيار تتفهّم مطلبنا وتؤيده من «حزب الله» إلى «القوات اللبنانية»، والرئيس المكلف وكذلك الرئيس بري الذي ننظر إلى موقفه بعين التقدير. ونحن على تنسيق كامل معه.
«القوات» و«المستقبل» و«الاشتراكي»
واللافت في هذه الاجواء ما يتردد في بعض المجالس السياسية حول شكوى رئاسية مما سَمّته تشكيل جبهة سياسية داخلية ضد العهد، تضم تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». وفيما استهجنت اوساط قريبة من الحريري هذا الكلام، واكدت لـ«الجمهورية» الحرص الشديد على العلاقة بين عون والحريري، وتأكيدها بأنها ما كانت ولن تكون في هذا الوارد ابداً، اعتبرت مصادر «القوات» هذا الكلام بأنه اتهام باطل وتضليل. وقالت لـ«الجمهورية»: «القوات» كانت وما زالت على تأييدها للعهد، وما زالت الداعم الاساسي لهذه المرحلة السياسية باستقرارها وتوازناتها. مع التشديد على ان يأخذ هذا التشكيل في الاعتبار التوازنات التي أفرزتها الانتخابات النيابية. وقالت: بالتأكيد، انّ العقدة ليست عند «القوات»، بل هي لدى من يصرّ على الاستئثار بالحكومة، ولا سيما من خلال المطالبة بالمساحة الأوسع داخل الحكومة، عبر إصراره على الحصول على الثلث المعطّل في الحكومة.
اما المصادر الاشتراكية فقد أكدت بدورها لـ«الجمهورية»: موقفنا معاكس تماماً لكل هذا الكلام، فلولا التوافق الذي حصل بين «المستقبل» و«التيار»، وبين «القوات» و«التيار» لَما كان هناك رئيس جمهورية، الموضوع هو هل انّ الشراكة قائمة ام لا؟ الشراكة وضعت لحماية البلد، «المستقبل» و«القوات» شريكان أساسيان في حماية مسار المؤسسات في البلد، وطالما اننا متهمون بالشراكة مع «المستقبل» و«القوات»، فهذا الثلاثي همّه البلد، وليس المناصب. ما نقوم به نحن هو اننا نحاول ان نمنع الاستئثار، والثلث المعطّل الذي لسنا وحدنا نرفضه بل كل الاخرين ايضاً، ولاسيما الثنائي الشيعي. الموضوع لا علاقة له بجبهة ضد الرئيس بالعكس، همنا تقوية المؤسسات والبحث عن مخارج لتأمين مصلحة الناس من خلال تفعيل المؤسسات.
إعتداء على «اليونيفيل»
جنوباً، قام 20 شخصاً بلباس مدني في جوار بلدة مجدل زون الجنوبية بالإعتداء على دوريّة تابعة لـ«اليونيفيل» مؤلفة من 4 آليات، وتسلّق المعتدون الآليات وقاموا بتكسير زجاجها بواسطة المطارق، وتمكنت إحدى الآليات من مغادرة مكان الإعتداء لكنها عادت وأوقفت مجدداً من قبل مجموعة ثانية من المعتدين. وتمكّن المعتدون من انتزاع بعض الأسلحة من الدورية، فيما قام بعض عناصر «اليونيفيل» بإطلاق طلقات نار تحذيرية في الهواء لإبعاد المعتدين. علماً انّ عدداً من المعتدين كانوا مسلحين، ووجهوا أسلحتهم باتجاه عناصر «اليونيفيل» مطالبين بتسليم أسلحتهم. فقرّر آمر دورية «اليونيفيل» تسليم الأسلحة لتفادي تفاقم الاشكال. وبعد وقت تمكنت دورية «اليونيفيل» من مغادرة المكان بعدما لحق بآلياتها أضرار فادحة، فيما تمكنت من استرجاع بعض الأسلحة المسروقة، وبقي قسم آخر مع المعتدين.