فقط في لبنان، مرفوض ان يُعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله. قيصر يريد ما لله ويصرّ على احتكار ما يريد، مطالباً بالتطويب الى أبد الآبدين، وباله مرتاح، ما دام قادراً على تجنيد قويصر من فتيانه ليتولى استجرار الطاقات الانتفاعية والتذاكي على تناقضات الساحة اللبنانية بالرقص على حبال المذهبية بغية تحقيق الهدف المنشود.
هو الفجع الى السلطة والنفوذ ووضع اليد على أكبر قدر ممكن من المؤسسات الدسمة، حتى لو استدعى الامر بدعة الطاقة العائمة التي يتأكد يوماً بعد يوم انها فساد لا لبس فيه، وان حل مشكلة الكهرباء في لبنان ليست وفق ما تسير عليه الأمور. ليبقى المطلوب، وبإصرار فاقع الوقاحة، هو غياب الحلول الجذرية بغية الافادة من مزاريب النهب المتدفقة.
فالطاقة قبلة القيصر في كلّ تشكيلة حكومية، والتمسك بها مسألة حياة او موت لأنها الباب الارحب لاستجرار الفساد عهداً بعد عهد عوضاً من استجرار النور إلى بيوت اللبنانيين.
يروي عالمٌ بالملف عن مؤتمر "سيدر" ان المدير العام لشركة جنرال إلكتريك دخل على المجتمعين وأبلغهم عن جهوزية شركته لبناء المعامل التي تؤمّن الطاقة المطلوبة لكل لبنان مع فائض صالح للتصدير، وذلك خلال فترة ستة أشهر وبضمانات التشغيل وتكلفة أقل مما تدفعه الدولة اللبنانية حالياً.
بالطبع، لم يلق الرجل جواباً. ولم يأت أيٌّ من المجتمعين على ذكر هذه المعلومة، لأن استنزاف هذا المرفق الذي يحتل المرتبة الأولى في سلّم التدهور الاقتصادي هو في صلب الأجندة القائمة على ملء الجيوب حتى لو أفلس البلد، والتكاليف الأقل تضرب مصالحهم، وأصول استجرار مليارات الدولارات المهدورة تمنع أي اصلاح، يبدأ من هيئة ناظمة محرّم تشكيلها ومن ملء الشغور في مجلس الإدارة الممدد له بمخالفة واضحة للقوانين، والمصر قيصره على منع خضوعه لأي مساءلة او رقابة حتى يبقى ملعباً للوزير الذي ينفّذ وصاياه.
ولا يحق لأحد انتقاد ما يجري في أروقة المؤسسة التي تربّي صيصانها وتحميهم بريف العين.
كيف لا؟ فالمطّلع على أرقام الهدر في القطاع يذهل من هولها، ويعجب كيف يقبل اللبنانيون كل هذا الذل جراء الغرق في العتمة واللهاث لتأمين مصاريف فواتير المولدات، وكيف يجددون البيعة لهذا الطاقم السياسي الذي يمعن في اذلالهم واغراقهم ليس فقط في الظلام ولكن في النفايات المسرطنة والنهب الممنهج لكل مرافق حياتهم.
فمَن يوالي الزعيم يبرر له كل القرف الذي تفرزه السلوكيات المذهبية القائمة على العنصرية وتكريس الكراهية. وكأنه راض بالبقاء تحت خط الحقوق المشروعة للإنسان، لينساق خلف الغرائز المذهبية عندما يجدّ الجدّ، ويكتفي بالشكوى من غياب الكهرباء والماء وارتفاع أسعار السلع والحرمان من التعليم والطبابة المجانيين. و... بالروح بالدم.
في الحديث عن استبدال اسم "عائشة" باسم "إسراء"، دلالات لا يستهان بها. صحيح ان الغباء المطلق الطالع من هذا الكشف المبين يترجم تشوّهاً نفسياً واجتماعياً لا يمكن تجميله، لكن الصحيح أيضاً ان الاستبدال لم يأت من هباء، ولم يكن وليد لفتة رومنطيقية طالعة من تفاهم "السرّاء والضرّاء" في كنيسة مار مخايل. وبالتأكيد، هو ليس مبادرة فردية جرى العمل عليها منعا للحساسيات المناطقية.
فالمسافة بين عائشة وإسراء لها ما لها وعليها ما عليها. وتوجيه الانتقادات على خلفية الغباء، لا ينفي ان هناك من يريد عملية تطهير كاملة لبيئته من الآخر الذي يجب ان نكره حتى الأسماء التي تميز انتماء هذا الآخر اليها مع مبالغات وإغراق في مذهبية التسميات الخاصة بكل بيئة حتى يكتمل نقاؤها.
من هنا، لا بد من الاشتباه بأن الاستبدال ليس مراعاة للحساسيات بل لتوجيهات خاصة ترمي الى تكريس هذه الحساسيات.
لكن الأمور من فوق تختلف عنها من تحت، فالأعمى بغرائزه لا يريد ان يلتفت الى ما يجري فوق، حيث الـ"ATELIER" الذي يتولى فيه حرفيو المذهبية والعنصرية تركيب النشاط الدماغي للراضين بذلّ الظلام، حتى يحافظوا على استمراريتهم في السلطة.
لذا، فإن مراقبة ما يجري فوق تكشف انفصاله عما يجري تحت وفق الاولويات، لا يفوتنا معرفة ان من يحتكر عائشة غير متمسك باحتكاره عند اللزوم، والا لم يكن يرضى بتغيير الاسم الى إسراء لقاء ملايين الدولارات. ولا من يحتكر إسراء تهمه خسارة موارد بديلة عبر المولدات او يتهاون عندما تبدأ جولات المصارعة الحرة على الحصص.
Business is business. كلّ كلام آخر هو مضيعة للوقت. وكل الوسائل نافعة للاستثمار في المحافظة على الـ" Business" قدّس الله سرّه، وآخرها تأرجح الكيلوواط الأغلى في العالم بين عائشة وإسراء.