"إذا مش التنين الخميس"... مقولةٌ ارتبطت بيوميات اللبنانيين عبر التاريخ، وموعدٌ ضربه اللبناني لنفسه مع الحظ من دون أن يفقد الأمل، إذ يخصص أسبوعياً مبلغاً من المال ليجرّب تعاطف الأرقام مع أحلامه الكبيرة في بلدٍ ضاقت فيه سبل العيش الكريم.
ويعلم هذا اللبناني أنه في حال لامست كرات اللوتو أحلامه، من قريب أو من بعيد، أنّ من ينغّص عليه العيش سيكون له بالمرصاد ليجمرك لصالحه 20 في المئة من أي مبلغٍ يتجاوز 10 آلاف ل.ل. لكنه لا يعلم أن للدولة اللبنانية حصة من كل شبكة ينمّر عليها المواطن آماله قبل أرقامه.
إقبال كثيف تشهده مراكز بيع لوتو في لبنان أخيراً، وهو الإقبال الذي يحصل عادةً كلما ارتفعت قيمة الجائزة الأولى، التي تتجاوز اليوم 2 مليار ل.ل.
في هذا الإطار، يؤكد المدير العام للشركة اللبنانية لألعاب الحظ جورج الغريب أن المعدل الإجمالي للبيع يتراوح بين 800 ألف شبكة ومليون و700 الف في كل سحب، وهو المعدل الذي يصل في حالات نادرة إلى 2 مليون شبكة، تبعا لقيمة الجائزة.
ويشمل المعدل التنمير بواسطة التطبيق الالكتروني الخاص باللوتو والتنمير بواسطة الرسالة الهاتفية "SMS"، وإن كانت نسبة التنمير عبر هاتين الوسيلتين لا تتجاوز 7 في المئة، ويتم العمل على أن تصل لـ10 في المئة.
وعن الجائزة الأولى التي تتجاوز اليوم 2 مليار يلفت الغريب في حديث لـ"ليبانون ديبايت" الى انه في تاريخ لوتو وصلت الجائزة الأولى إلى 7 مليار ل.ل وتقاسمها ثلاثة رابحين. وهي تتراكم عبر المبلغ المخصص لها من المبيعات، إذ إنه بعد كل سحب يخصص قسم من المبيعات للجائزة الاولى وقسم آخر لباقي الجوائز. وفي حال عدم الفوز بالأولى يضاف المبلغ المحدد لها على المبلغ الجديد بعد كل سحب.
أما حصة الدولة من لوتو هي 20 في المئة على كل جائزة تتجاوز 10 ألاف ل.ل، ولا تتوقف أرباح الدولة عند هذا الحد بل تحصل على 42,50 في المئة من المبيعات، أي ما يقدر بـ850 ليرة مقابل الشبكة الواحدة. وهي المداخيل التي تحوّل إلى خزينة الدولة عبر المديرية العامة لليانصيب اللبناني عقب كل سحب، كما يشير الغريب.
وتخصص الشركة اللبنانية لألعاب الحظ 950 ليرة من أصل سعر كل شبكة للجوائز، و100 ليرة لمراكز البيع (التي يتراوح عددها بين 1400 و1500 مركز في لبنان) والباقي يذهب كلفة استثمار ورواتب ومصاريف أخرى.
بالأرقام، يقدّر الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة مدخول الدولة من المبيعات 680 مليون ل.ل عن السحب الواحد إذا اقتصر المبيع على الحد الأدنى 800 ألف شبكة. ومليار و445 مليون ل.ل عن السحب إذا بلغت قيمة المبيعات مليون و700 شبكة وهو الحد الأعلى للمبيعات.
وفي عملية حسابية بسيطة، يتبين أن الدولة تربح من مبيعات لوتو ما يقدّر بـ7 مليار و72 مليون ليرة سنوياً على الحد الأدنى من المبيعات، و150 مليار و280 مليون ليرة سنويا على الحد الاعلى، على اعتبار أن الشركة اللبنانية لألعاب الحظ في السنة تقيم 104 سحوبات خلال 52 أسبوعاً.
وهنا يُطرح السؤال الأهم، أين تذهب كل هذه الأموال، ولماذا لا يتم استثمارها في قطاعات تفيد لبنان واللبنانيين؟ يؤكد عجاقة لـ"ليبانون ديبايت" أن الدستور لا يسمح بتخصيص المداخيل لإنفاق معين، لكن تُجمع هذه المداخيل في الإيرادات، ثم يتم تخصيص جزء منها للاستثمار.
ويوضح أن هناك مشكلة في الإدارة المالية للدولة اللبنانية، الامر الذي يجعل مداخيلها، التي مهما بلغت قيمتها، غير قادرة على سدّ العجز. فهناك مشكلتا إنفاق لا إرادي في الدولة، وآخر إرادي ومقصود، وهو ما تنفقه الدولة على مؤسسة كهرباء لبنان، وأجور القطاع العام.
وتعجز الدولة اليوم عن خفض الإنفاق، اذ في موازنة 2018 حاولوا خفض الانفاق بنسبة 20 في المئة لكنهم لم يستطيعوا خفضه أكثر من 6 في المئة. ويرى عجاقة أن لحل الإنفاق طريقتين معتمدتين عالمياً، وهما أن يتم تخفيض 1 في المئة على كل بند من بنود الموازنة، وهي طريقة اعتمدتها هولندا لتخفيف العجز ونجحت بها، ثم يتم تخصيص البنود التي تتضمن انفاقاً كبيراً، يتم فيها خفض الانفاق وفق مخطط تدريجي على عدة سنوات.
إذاً الدولة تنمّر لوتو لكن على المضمون، والمضحك المبكي أنها لا تستطيع الإستفادة من هذا الربح الإضافي الأكيد... فلا ديناً يسدّد ولا إنماء يحصل، هنا الحظ لا يستطيع انتشالها من أزمتها، وحدها محاربة الفساد طريقها المضمون تجاه ورقة لوتو رابحة.