كان يوم 26 يوليو يوماً مفصلياً في تاريخ أبناء أقلية "مورو" المسلمة في الفلبين. ففي هذا اليوم، صادق الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي على قانون يمنحهم حكماً ذاتياً موسعاً.
 

ويمنح القانون الذي سيُعرض على موافقة شعب مورو بعد فترة من 90 إلى 150 يوماً من مصادقة دوتيرتي عليه، مكاسب جديدة لمسلمي الجزر المحيطة بمنطقة "ميندنداو".

 

وبموجبه، ستنشأ منطقة "بانغسامورو" المتمتعة بالحكم الذاتي في منطقة "مينداناو"، وسيتم تشكيل حكومة ذاتية الحكم فيها، وافتتاح محاكم تطبّق الأحكام الشرعية بشكل مستقل، ما يمنح المورو المزيد من الحريات الدينية.

وستنقل الحكومة المركزية السلطات الإدارية في ميندنداو إلى حكومة بانغسامورو، كما سيتم إدارة المياه في منطقة بانغسامورو بشكل متزامن مع الحكومة الوطنية، فيما ستتولى الحكومة ذاتية الحكم استخراج مصادر الطاقة وإدارتها.

 

كذلك، سيتيح القانون لمقاتلي "جبهة تحرير مورو الوطنية" السابقة، و"جبهة تحرير مورو الإسلامية"، إمكانية الانضمام إلى القوات النظامية.

وسيمكن ست بلديات في ولاية "لاناو ديل نورتو" و39 بلدة في ولاية "كوتاباتو"، من الانضمام إلى المنطقة الموافق عليها بموجب القانون الجديد عبر إجراء استفتاء.

وكان مجلس النواب الفلبيني قد صادق في 24 يوليو على القانون الذي يحمل اسم "قانون بانغسامورو الأساسي"، بعد تصديق مجلس الشيوخ عليه.

ويأتي هذا القانون تتويجاً لاتفاق سلام وُقّع بين الحكومة الفلبينية و"جبهة تحرير مورو الإسلامية" قبل أربع سنوات، خلال فترة ولاية الرئيس السابق بينينو أكينو الثالث.

كما يأتي بعد 21 عاماً من المباحثات الرسمية التي تلت أول قرار وقف إطلاق للنار بين الحكومة الفلبينية وجبهة مورو الإسلامية.

من هم المورو؟
يُطلق على المجتمعات المسلمة التي تعيش ضمن الأرخبيل الذي يضم جزر "مينداناو"، و"بالاوان"، و"سولو"، وجزراً أخرى في جنوب الفلبين، اسم "مورو".

وتعتبر مقاطعات "ماغوينداناو"، و"لاناو ديل سور"، و"سولو"، أبرز المقاطعات ذات الغالبية المسلمة.

ويشكّل شعب "مورو" الذي يُطلق عليه اسم "بانغسامورو" حوالي 11% من سكان الفلبين (10 ملايين نسمة)، ودخل الإسلام في القرن الـ14 للميلاد، تأثراً بالتجار العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية، وتعرّض للإهمال والتمييز في الفترات السابقة.

 

ويضم "المورو" مجموعات عرقية تتحدث 13 لغة مختلفة، ويشكلون المجموعة الدينية الثانية بعد المسيحيين الكاثوليك.

ومصطلح "مورو" مشتق من كلمة "مور" Moor (مغربي)، وتأتي من كلمة "ماورو" Mauru، التي أطلقت قديماً على سكان إقليم موريتانيا، في شمال غرب إفريقيا خلال العهد الروماني، وتقع تلك المناطق حالياً ضمن الجزائر والمغرب وموريتانيا.

 

ويُطلق لقب "ماورو" على الكثير من الأقليات المسلمة التي اختلطت بالأندلسيين الذين هجّرهم الإسبان إلى مستعمرات ما وراء البحار.

"المورو" والسعي إلى الاستقلال
حتى منتصف القرن العشرين، كان شعب مورو يعيش في دولة مستقلة خاصة. ومع إلحاقهم بالفلبين من قبل الإدارة الاستعمارية الأمريكية، باتوا أقلية في كيان أكبر.

وبدأ شعب مورو عبر مفاوضات سياسية السعي لاستعادة استقلاله من جديد، فيما سلكت عدة مجموعات الخيار المسلح لتعثر المساعي السلمية.

ونشب صراع حاد بين المورو والحكومة المركزية وشُنّت ضدهم هجمات ترقى إلى حملات تطهير عرقي، ما دفع العديد من أبناء الأقلية في سبعينيات القرن الماضي إلى إنشاء "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، وحمل السلاح.

وتسبب النزاع بين الدولة والمسلحين المسلمين خلال أربعة عقود، بمقتل أكثر من 120 ألفاً من المورو، ونزوح نحو مليونين.

وبدأ أطراف الصراع يلتقون عام 1997 لإيجاد حل للأزمة. ومع انطلاق مفاوضات سلام عام 2012، تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار.

تنازلت جبهة تحرير مورو الإسلامية في المفاوضات التي جرت، بوساطة ماليزية، عن تأسيس دولة مستقلة في مينداناو، وتم الاتفاق على تأسيس منطقة حكم ذاتي تحمل اسم "بانغسامورو".

واكتسبت مفاوضات السلام زخماً بعد انتخاب دوتيرتي رئيساً للبلاد، فقد ركّز على "إنهاء الأزمة" في وعوده الانتخابية، وعرضت جبهة تحرير مورو الإسلامية مشروع قانون "بانغسامورو" الأساسي عليه.

 

مستقبل "المورو"
بعد الموافقة على القانون في استفناء شعبي، سيتم انتخاب مجلس مؤلف من 80 شخصاً، أغلبهم من جبهة تحرير مورو الإسلامية، يقوم بدوره باختيار رئيس وزراء لإقليم بانغسامورو.

وبالنسبة إلى جبهة تحرير مورو الإسلامية، سيترك 30 بالمئة من عناصرها السلاح، ليعودوا إلى الحياة المدنية، على أن يلتحق بهم البقية بحلول عام 2022، لتتحول بالكامل إلى حزب سياسي.

وعقدت جبهة "تحرير مورو الإسلامية" في 29 يوليو، اجتماعاً لمناقشة مستقبل المرحلة السياسية القادمة عقب إقرار قانون "بانغسامورو الأساسي".

وأشار زعيم الجبهة الحاج مراد إبراهيم إلى "ضرورة الاهتمام بالأمور التنموية والاقتصادية للمنطقة، بعد نيل الحكم الذاتي"، وقال: "بدأ الكفاح السياسي الحقيقي الآن".

وكشف إبراهيم، أنّ تركيا كان لها دور فاعل ورسمي في عملية السلام مع الحكومة الفلبينية، وأنها شاركت في محادثات السلام التي جرت مع الحكومة الفلبينية، ضمن المجموعة الدولية التي ضمت أيضاً بريطانيا والسعودية واليابان.

ولفت إلى أنّ مسلمي مورو يتطلعون لاستمرار الدعم التركي لهم، عقب إقرار قانون "بانغسامورو الأساسي".

تبقى جماعة "ابو سياف" حالياً عثرة أمام الوصول إلى السلام الكامل. وانشقت هذه الجماعة عن جبهة "مورو" الإسلامية عام 1991، وأخذت تنفّذ تفجيرات وعمليات اختطاف واغتيالات، بهدف تأسيس ولاية إسلامية مستقلة في الفلبين.

وتتحمل "أبوسياف" مسؤولية العديد من عمليات الخطف التي تستهدف مواطنين وأجانب في الفلبين.

وبعد المصادقة على القانون، دعا دوتيرتي، في 27 يوليو، جماعة "أبو سياف" المسلحة إلى الانخراط في مباحثات سلام، بهدف وضع حد للحرب الدائرة في البلاد.