في الخلاصة، «حزب الله»- ولا أحد سواه- هو «القصة» الكامنة وراء أزمة الحكومة. فالحكومة تتأخّر لأنّ هناك قوى خارجية لا تريد أن تطوِّب الحكومة لـ»الحزب» بعدما اجتاح هو وحلفاؤه المجلس النيابي. ويقال إنّ هذه القوى تراهن على أنّ «الوقت الإقليمي» يسير في غير مصلحة «الحزب»، وأنّ ما يطلب اليوم سعره باهظاً سيعرضه لاحقاً بثمن زهيد. ولذلك، «مش غلط» أن تنتظر هذه القوى وتنصح حلفاءها بـ»أن يصبروا». فهل إنّ «الحزب»، بدوره، يجلس متفرّجاً ومنتظراً المفاجآت أم هو يترصّد اللحظة المناسبة للتحرُّك؟
الأوساط القريبة من «حزب الله» تقول: «الحزب» يعرف تماماً حقيقة ما يجري. وليس لديه شك في أنّ المماطلة في التأليف تتمّ بناءً على طلب خارجي. وهو يمتلك كل التفاصيل عن الجهات التي تمارس الضغوط، وعلى مَن، وما المطلوب.
ولكنّ «الحزب»، تضيف الأوساط، يترك للعبة الداخلية أن تأخذ مداها ويكتشف الجميع أنّ هناك حدوداً لا يمكنهم أن يتجاوزوها فيتراجعون. وفي عبارة أخرى، إذا كانت المسألة «عضّ أصابع» فـ«الحزب» لن يقول «آخ» أولاً! لقد اعتاد هذه الأنواع من الضغوط ووجد دائماً الطريقة المناسبة لتنفيسها.
ولكن، أليس صحيحاً أنّ التطورات في سوريا ستدفع «حزب الله» إلى الانكفاء هناك وإعادة انتشاره، ما يضعف أوراقه في الداخل اللبناني؟
تقول الأوساط: «الحزب» لا يستمدّ إطلاقاً قوته من الداخل السوري أو من وضعه الإقليمي، وهو بقي قوياً في لبنان قبل اندلاع الحرب في سوريا. ففي العام 2005 تجاوز الانتكاسة سريعاً. وهو انتصر في حرب تموز 2006، ثم خاض مواجهات داخلية رابحة في 2007 و2008.
وبعد ذلك، استطاع تكريس حضوره المتقدّم جداً في الحياة السياسية وفي السلطة قبل اندلاع الحرب السورية في العام 2011، وقبل أن ينخرط فيها. وهذا إثبات لعدم وجود رابط بين قوة «حزب الله» في الداخل اللبناني وموقعه في الداخل السوري.
ولذلك، تقول الأوساط، سيكتشف المراهنون على الظروف السورية لإضعاف «حزب الله» في لبنان أنهم يخطئون اليوم كما أخطأوا سابقاً. وإذا كانوا يريدون التنكّر لنتائج الانتخابات النيابية التي اعطت «الحزب» وحلفاءه غالبية واضحة، ويعملون للمجيء بـ«حكومة انقلاب» على المجلس، تستضعف «الحزب» وحلفاءه، فعليهم أن يعرفوا باكراً أنهم سيفشلون.
وتضيف الأوساط: حتى اليوم، التأخير في تأليف الحكومة يبقى تحت السقف المعقول. و«الحزب» يتحلّى بالصبر لعلّ الرئيس المكلّف والقوى الأخرى التي تبالغ في طموحاتها، يكتشفون من تلقاء أنفسهم، أنّ هناك حدوداً يجب أن يتوقفوا عندها ويفرِجوا عن الحكومة.
فـ«الحزب» ليس مستعجلاً كثيراً، ولكنه لن يبقى مكتوفاً إذا ظهر له أنّ التمادي يعبّر عن مؤامرة. وفي هذه الحال، سيكون لكل حادث حديث.
عملياً، ماذا يعني هذا الكلام؟ وما هي الحدود التي يعتبرها «الحزب» خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه؟
العديد من المتابعين يعتقد أنّ هذه الأجواء التي يعبّر عنها القريبون من «الحزب» تعبّر عن نظرته فعلاً إلى الأزمة. ولكنها لا تنفي أنّ «الحزب» نفسه يمرّ في حال ترقّب لمجريات الأوضاع داخلياً وإقليمياً ودولياً، وهو يفضّل التريّث في اتّخاذ خطوات حازمة في العديد من الملفات، في انتظار تبلور الصورة.
«الحزب» يترقّب تصاعد الضغوط الأميركية الهادفة إلى إضعاف النفوذ الإيراني في دول الشرق الأوسط، والعقوبات المتزايدة على كوادره ومؤسساته والمتعاونين معه، والمتلازمة مع أزمة اقتصادية تزداد ضراوة في إيران إلى حدود غير مسبوقة، وتنعكس تقليصاً كبيراً للدعم الذي تحظى به القوى الحليفة في المنطقة، ومنها «حزب الله».
ولذلك، يصحّ القول إنّ الرهانات الإقليمية متبادَلة بين «حزب الله» وخصومه على الساحة اللبنانية. وفي اعتقاد البعض أنّ «الحزب» قد يسارع إلى «عملية قيصرية» تؤدي إلى ولادة الحكومة «غصباً عن الجميع» إذا اكتشف أنه هو الذي سيدفع ثمن التأخير.
هل يعني ذلك لجوءَه إلى ما يشبه 7 أيار 2008، هو وحلفاؤه؟
المتابعون يشكّكون في ذلك، لكنهم يرون أنّ «الحزب» قادر على تنفيذ 7 أيار سياسية، من داخل المؤسسات التي يمتلك فيها الغالبية مع حلفائه.
فحتى اللحظة، بقي «الحزب» وحلفاؤه يلتزمون أنّ الحريري هو الوحيد الذي سيكون رئيساً للحكومة المقبلة. وهم يتمسّكون به ليس فقط لأنهم عاجزون دستورياً عن دفعه إلى الاعتذار وتسمية شخصية أخرى، بل لأنهم مقتنعون بأنّ الحريري هو السنّي الأقدر حالياً على توفير التغطية المطلوبة سنّياً وعربياً ودولياً للحكومة.
وفوق ذلك، يفهم «الحزب» وحلفاؤه أنّ الحريري واقع تحت تأثير ضغوط خارجية لا يمكن تجاهلُها، وهم يقبلون بها على مضض كجزءٍ من المشهد. ولكن، للصبر حدود، والأمر سيتغيّر إذا تمادت هذه القوى في ممارسة الضغوط الداخلية وشعر «الحزب» بالخطر.
وعندئذٍ، تقول الأوساط القريبة من «الحزب»، سيتمّ استخدامُ العديد من الأوراق والسيناريوهات والمخارج النائمة، وهي ليست قليلة ولا ضعيفة، وقد جرت تجربتُها بنجاح في محطات سابقة.