من البقاع إلى الجنوب تتواصل حلقات اللعب على وجع المواطن الشيعي، ويستمر "أشرف الناس" ضحايا الخطابات والشعارات التي سبقت وتلت الإنتخابات النيابية الأخيرة تحت عناوين "الكرامة" و "الإنتصارات" و "التكليف الشرعي" فاستمرت البيئة الشيعية جنوبا وبقاعا وعلى امتداد المناطق اللبنانية كافة تحت تأثير هذه الخطابات والتي استطاعت الأحزاب الشيعية تكريسها وترسيخها بذريعة المقاومة والاستراتيجيات والمسلّمات السياسية، فوقع المواطن الشيعي ضحية هذه المفاهيم، واستسلم لهذا الخطاب إلى أقصى الحدود، وبالتالي نجحت الأحزاب في تخدير العقل الشيعي ليتوقف كل شيعي عن التفكير أو المطالبة بأبسط حقوقه المعيشية والحياتية وفي مختلف الأصعدة.
الصمت الشيعي تحت عنوان "الكرامة" وحفظ "المقاومة" أدى إلى نسيان الحقوق الطبيعية لأي مواطن وساعد هذا الصمت على تفشّي ظاهرة الفساد وانتشارها وقد بلغت مستويات غير مسبوقة على مستوى الدولة بكل مؤسساتها والعهد والأحزاب، فخرج الأمين العام لحزب الله ليفاجىء اللبنانيين بخطاب انتخابي يعلن فيه الحرب على الفساد وأن الحزب قام بتشكيل هذا الملف وأوكل العمل فيه الى النائب حسن فضل الله، وبعد مرور حوالي أربعة أشهر على هذا الخطاب استمر مسلسل الفساد واستمر مسلسل الفضائح بدءاً من حزب الله نفسه مرورا ببقية الأحزاب ووصولا إلى الدولة ومؤسساتها وطبعا العهد "القوي" والذي نشهد خلاله أعلى مستويات الفساد في تاريخ لبنان.
باخرة الزهراني ليست أول الفضائح وأخطرها، وليست أول قضايا الفساد التي تم إكتشافها، لكنها القضية التي لامست وجع الناس أكثر من خلال حرمانهم من أبسط حاجاتهم وهي الإنارة، فظهرت القضية كقضية فساد بعناوينها وأبطالها والمسؤولين عنها من الثنائي الشيعي، الثنائي الذي سعى إلى تغطية هذه الفضيحة والمسؤولين عنها تارة باختلاق أكاذيب الإختراق الأمني الذي تسببه هذه الباخرة وتارة بالخطر البيئي وقد سارع الوزير علي حسن خليل لتبرير الرفض بما هو أسوأ فأطل على الجنوبيين ليشرح قضية البواخر من أولها إلى آخرها وقال:
"نعتصم امام معمل الزهراني لنؤكد أن انتاج المعمل 480 ميغاواط ونحن نطالب بزيادة تغذية مناطق الجنوب بخمس ساعات والباقي يوزّع على المناطق اللبنانية الأخرى". ولفت الى ان "الأمور التي انكشفت في مجلس الوزراء تدلّ على النية الحقيقيّة لطبيعة وجود الباخرة المجانية حيث صدر القرار خلافاً لما اتفق عليه بما يؤشر إلى أن الباخرة ستبقى أكثر من 3 أشهر".
يطالب الوزير بخمس ساعات إضافية فيما الباخرة الفضيحة كانت مهمتها تأمين الكهرباء 22 ساعة باليوم فأدان نفسه وأخذ القضية إلى مكان آخر واستمر مسلسل الضحك على الناس بالحديث عن أرقام وعناوين لا شأن لهم بها بما يشبه ذرّ الرماد في العيون.
أما حزب الله فهو غير معني ولا شأن له بأي أمر مطلبي يتعلّق بحقوق الناس ووجع الناس وطالما أن الكرامة موجودة فإن أشرف الناس بخير حتى لو كان هؤلاء الناس بلا كهرباء وبلا ماء وبلا عمل .
ومع استمرار إطلاق المبررات لفضيحة الباخرة من حزب الله وحركة أمل ثمة من رفع الصوت وربما للمرة الأولى في الجنوب وكانت مواقع التواصل الإجتماعي منصة لإطلاق سجالات ومواقف عبرت عن رأي كثيرين من أبناء حزب الله وحركة أمل فرفعوا الصوت عاليا لانتقاد السياسات المعتمدة من قبل أولياء الأمر الواقع فيما يتعلق بالملفات الداخلية والشؤون الحياتية العامة.
ما حصل على مواقع التواصل الإجتماعي على خلفية قضية الباخرة في الجنوب وما حصل قبله على خلفية الوضع المعيشي والأمني في البقاع يعكس حالة مستجدة في المجتمع الشيعي، حالة قائمة على الوعي والجدية وتنذر هذه الحالة بمرحلة جديدة من التعاطي الشعبي مع الثنائي الشيعي إنطلاقا من قضايا الإهمال والتهميش واللامبالاة .
عبّر كثيرون في البقاع والجنوب من روّاد وناشطي مواقع التواصل الإجتماعي عن التمييز بين الموقف من المقاومة مثلاً والقضايا الإجتماعية الأخرى، فبالرغم من تحييد المقاومة والخيارات السياسية الأخرى، فإن المواقف من الحقوق والفساد والحرمان كانت حادّة جداً تجاه نواب ومسؤولي الثنائي الشيعي وقد أجمع هؤلاء على وصف النائب الذي لا يعمل تجاه حقوقهم وقضاياهم "بالخائن" مطالبين نواب حركة أمل وحزب الله بتحسين سلوكهم تجاه أهلهم وناسهم ومن انتخبهم كوفاء لأمانة الصوت والإختيار، فيما تساءل البعض عن وعود الأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله بمحاربة الفساد في وقت ازدادت فيه فضائح الفساد في الوسط الشيعي فضلاً عن مؤسسات الدولة.
لقد بات المجتمع الشيعي ومع استمرار الثنائية الشيعية في إهمالها للمطالب والحقوق أقرب إلى الإنفجار ولم تعد الشعارات التي تسوقها هذه الأحزاب للتخدير في محلها لأن المشكلة أصبحت تمسّ كل مواطن بحياته ومعيشته ولقمة عيشه فلم تعد تنفع معها شعارات المقاومة والكرامة وباقي الشعارات السياسية.
إننا أمام تحوّل جديد في المزاج الشيعي انطلق من البقاع وينتهي اليوم بالجنوب ولم تعد تنفع كل المبرّرات والعناوين التي يتم استخدامها لإسكات الناس وبالتالي فإن في ذلك فرصة ومناسبة لإستمرار التحرّك بكل الوسائل المتاحة لتحصيل الحقوق والوقوف بوجه الفساد والفضائح وليس آخرها باخرة الزهراني.