هل يقود رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ثورة جديدة؟ السؤال يردده بعض المتابعين، لدى مراقبتهم مسار المواقف السياسية المتدرجة لدى وليد جنبلاط. إعادة استحضار خطابه في ساحة الشهداء في 14 شباط 2007، الذي وصف فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد بالقرد، هو رسالة بالغة الدلالة ويستحق التوقف عندها. جمع جنبلاط الأسد وداعش في سلّة واحدة. وهذا كان أعلنه أيضاً لدى تعليقه على مجرزة السويداء، التي يشير جنبلاط فيها إلى أصابع النظام السوري، لتحقيق أهداف عديدة منها استعادة السيطرة على المحافظة بكاملها، واستدراج أبنائها إلى صفوفه ودفعهم للذهاب إلى الخدمة الإلزامية والتورط بمعركة إدلب.
وحيداً يبدو جنبلاط في موقفه التصعيدي إلى هذا الحدّ. المواقف المعارضة للنظام السوري بهذا الشكل كانت غائبة منذ أكثر من سنتين عن الساحة اللبنانية، واختفت كلياً بعد الانتخابات الرئاسية. موقف يتيم أطلقه الرئيس سعد الحريري قبل أيام بأنه لن يزور سوريا ولو انقلبت المعادلة بكاملها في المنطقة، وإذا اقتضت مصلحة لبنان مثل تلك الزيارة، فليبحثوا عن أحد غير الحريري، على حدّ قوله. لكن موقف الحريري كان رداّ على سؤال مباشر طرح عليه بأن هناك ضغوطاً كثيرة عليه لدفعه إلى إعادة علاقاته مع النظام.
وضع جنبلاط مختلف، كذلك مواقفه. فهي لا تنفصل في لبنان عن رسائله السورية. المعادلة واضحة، تخويف دروز السويداء بداعش للاحتماء بالنظام والعودة إلى كنفه. وبذلك تتوجه رسالة الانتقام من النظام إلى جنبلاط في لبنان، من تشكيل الحكومة إلى ما بعدها. في المقابل، فإن محاصرة جنبلاط وتهديده وتطويقه، رسالة هادفة موجهة إلى أبناء السويداء بعدم الالتزام بما يقوله أو عدم التوافق معه على مواقفه السياسية. لكن ما يقوله جنبلاط يبدو أبعد من السويداء ومسألة تشكيل الحكومة.
ليس صدفة أن يستحضر الرجل معركة سوق الغرب، التي أشار فيها عمداً، إلى أن جيش التحرير الشعبي التابع للحزب التقدمي الاشتراكي خاض تلك المعركة بمفرده، وهي التي أسست إلى التسوية فيما بعد، وأسست لإتفاق الطائف ومصالحة الجبل. وهنا، يتابع جنبلاط رسائله بشكل مبطّن ولكن ذات سقف مرتفع. استعادة سوق الغرب، هي للرد على المحاولات اللبنانية لتطويقه، وكل محاولات ما يعتبره التعدّي عليه وعلى بيئته وخياراتها في مسألة تشكيل الحكومة. والأهم، أنه يقول: الحرب للحرب، والسلم للسلم. وهذا يعني أن لا مجال للتنازل بالنسبة إليه. مطالبه الحكومية أصبحت في مرتبة المقدسات، ومن المحرم المس بها. ثلاثة وزراء دروز، هي أم معاركه حالياً، لأن أي تراجع أو انكسار أو تنازل، يعني إنكسار للمختارة وتيمور والمسيرة المتجددة. وهذا ما لن يسمح به جنبلاط.
ولا يمانع أن يبقى وحيداً على موقفه، رافضاً الذهاب إلى التنسيق مع النظام السوري، على قاعدة "المجد لمن قال لا، وحافظ على ثوابته". صحيح أنه يسير عكس الرياح الإقليمية، لكنه يسجّل موقفاً للتاريخ. وهو بذلك يستعيد تجربة والده كمال جنبلاط، يوم تلقى عشرات الرسائل الدولية والإقليمية، بضرورة التهدئة مع نظام حافظ الأسد وعدم تصعيد اللهجة السياسية ضده. لكن كمال جنبلاط رفض ذلك، وبقي على موقفه، فدفع حياته ثمناً لذلك. في حقبة ما بين العامين 2004 و2005، كان وليد جنبلاط طرفاً رئيسياً من الاطراف التي تلقت تهديدات من النظام، وحينها قيل إنه حلقة من اثنين يريد النظام كسرهما، هو ورفيق الحريري. وبعد عملية اغتيال الحريري، رفع جنبلاط لواء الثورة الشعبية، وتجمّعت عوامل عدة دفعت بالنظام إلى الخروج من لبنان.
اليوم، يستشرف جنبلاط محاولات لإعادة نفوذ النظام إلى اللعبة اللبنانية، ويقف معارضاً، ويبدو أنه مستعد للذهاب إلى النهاية في موقفه رافضاً التنازل. ومنذ فترة يرى جنبلاط تحولات سياسية خارجية ومحلية انعكست في نتائج الانتخابات النيابية، وليس تنامي الكلام عن إعادة العلاقات مع النظام السوري إلا أحد أوجه تلك التحولات التي يريد البعض السير فيها إلى النهاية للعودة إلى حقبة ما قبل العام 2005. ولا شك أن ثمن ذلك سيكون كبيراً، والمواجهة أكبر.