الزواج وتأسيس عائلة من أكثر الأمور الحياتية التي تتطلّب التزاماً ومسؤوليةً ونضوجاً. فمَن يتّخذ قرار الزواج، يلتزم به طوال الحياة، مبدئياً، لذلك يحتاج الأمر إلى وقفة استحقاق قبل القيام به، فالأمر أكثر جدّية من انجذاب جنسي أو حبّ أو مصالح مشتركة تربط بين شخصين.
تقع مقوّمات الزواج الناجح تحت خانة النضوج النفسي والعاطفي؛ كالحوار والإحترام المتبادل والإلتزام بالشريك، بالإضافة إلى فهم حاجات النفس والآخر، وعدم التصرّف بعنف وعدوانية وغضب، مع عدم إهمال موضوع التجدّد في العلاقة للإبتعاد عن الوقوع في الروتين والفراغ والملل.
ليس عدم احترام الشريك والتعاطي معه بقلّة اعتبار إلّا دليلاً على عدم بلوغ مستوى النضج المطلوب، ويظهر ذلك عبر التعاطي بطريقة مراهقة مع الأمور الحياتية، كالخروج المتكرّر، وعدم الإلتزام بالزوج. وليست العلاقات الجنسية الجانبية خارج الزواج دليل انفتاح وحرّية كما يظنّ البعض ويدّعي، بل هي ضعف ومؤشر إلى حاجة شخصية لتطوير الذات والرقي للوصول إلى القدرة على الإلتزام.
أما العنف الزوجي فعنوان آخر لعدم النضوج وعدم التأهّل والجهوزيّة للزواج، فالزوج الذي يهين شريكته من خلال الكلام الجارح أو الضرب أو حتى يتناولها بالسوء في غيابها، ليس مميّزاً كما يعتقد، ولا يتمتع بقوة خارقة للقيام بذلك، بل هو يفتقر للحنكة والذكاء والمرونة في التعاطي مع الآخر.
والزواج ليس قبراً تُدفن فيه الأعمار، بل حياة مشتركة يسعد الزوجان فيها ويمرحان معاً. غالباً ما يستسلم الزوجان للصعوبات التي تعترضهما في الحياة المشترَكة من أمراض ومشكلات إقتصادية وإجتماعية، فيعيشان بعيداً عن كل ما ينعش علاقتهما، ما يحوّل المنزل الزوجي إلى مكان للصمت والخمول، يشبه منتجعاً لتناول الطعام والنوم، كغريبين. وفي هذه الحال، تتزايد الأسرار، ويتكاثر الدخلاء على حياة كل منهما، سعياً لا واعياً لإيجاد الإهتمام والعطف والحب المفقود.
للحوار والقدرة على التواصل والتعبير دور أساسي في إنجاح العلاقات بين البشر كافة، فكيف بالحري بين الزوجين، حيث لا يقتصر الحوار على الكلام والأحاديث فقط، بل يتخطّاه إلى النظرات وحركات الجسد وحتى العلاقة الحميمة. فغياب التواصل بين اثنين ينعكس سلباً على جميع الأصعدة.
المهم بمكان هو أنّ نتائج عدم النضوج النفسي والعاطفي لدى الزوجين أو أحدهما لا تنحصر بهما فقط، بل تصيب الأبناء والأهل والأصدقاء، ومَن يحتكّان به في مجالات العمل والدراسة؛ وبالتالي لا بد لهما من العمل على تحسين وتصحيح نوعية العلاقة ما دام الأمر ممكناً وفي بداياته، منعاً لحدوث الأسوأ.
ينعكس الفقر في الإختبارات الحياتية، والزواج المبكر، والبيئة المتصلّبة ونمط الشخصيات التي تعاني من الحدّة في التعاطي والسلبية، على الحياة المشترَكة بشكل مؤذٍ ومدمِّر، لذا لا بأس بالتوجّه إلى عيادة إختصاصي نفسي بشؤون الأزواج قبل اتّخاذ قرار الإنفصال النهائي.