ستّ وزارات لم يتمكّن الجالسون على مقاعدها من مواجهة «قدرهم» المكتوب على جبينها منذ ولادتها، ونفض تهمة تحوّل معظمهم عاطلين عن العمل برتبة وزراء!
وزارة «المليون نازح» وأكثر حملت أوزاناً ثقيلة، أقلّه في لافتتها، لكنها في المقابل عُرّيت من كل مقوّمات الصمود والإنتاجية. لا بل اضطرّت الى مواجهة واقع وجود وزارة أخرى تنافسها على المهمة ذاتها: وزارة الشؤون الاجتماعية التي ورثت الملف من حكومة تمام سلام وأبقت عليه في مكاتبها... إلى حين صار هناك أكثر من طبّاخ، فاحترقت الطبخة.
مشهدٌ سورياليّ يجمع سيلاً من التناقضات في المواقف، يبدأ شريطه في العام 2011 مع وصول أوّل نازح سوري إلى لبنان وما تلاه من حلقات «أكشن» بين المتخاصمين، ليبلغ ذروته مع إعلان المبادرة الروسية لإعادة 890 ألف نازح إلى بلادهم.
وحتى اللحظة، لم تتبلور الخطوط التنظيمية والعملانية لتلك المبادرة. لا يزال البحث في عناوينها العريضة بانتظار الجولة الثانية من المشاورات والتي يُفترض أن تحملَ توضيحات إضافية من شأنها أن تضع الملف على سكّة التنفيذ.
ولكن بالمبدأ، إنّ تدخّل موسكو بشكل مباشر في عمليات «الترانسفير» كما يقول أحد المعنيين بالملف، هو بمثابة «سُلّم» سيساعد المحرَجين في النزول عن الشجرة. أن تكون روسيا في الواجهة لتسلّم دفّة المفاوضات مع دمشق، يعني لا ضرورة لتنسيقٍ «وجهاً لوجه» مع نظام يرفض فريقٌ من اللبنانيين الاعترافَ بوجوده، ويفضّل مفرداتِ الوساطة في التعامل.
الجردة السريعة لإشكالية النزوح تُظهر جلياً أنّ القضية تدفع ثمن الانقسام السياسي، ليس بسبب اختلاف المقاربات وحسب وإنما بسبب التجاذبات حول هوية الفريق المفترَض له أن يديرَ الملف. الفوضى تسلّلت إلى ثناياه مع حكومة نجيب ميقاتي، إلى أن تحسّن الوضعُ بعض الشيء مع حكومة تمام سلام مع بدء تسجيل النازحين ووقف دخولهم أقلّه عبر المعابر الشرعية، كما يرى وزير شؤون النازحين معين المرعبي.
لا يعترف بفرضيّة أنّ الوزارة كانت بمثابة هدية قُدّمت له ولفريقه أسوة بغيرها من وزارات الدولة، مشيراً إلى أنّه هو مَن اختارها من ضمن «تشكيلة» عُرضت عليه، لأنه كان يتابع الملف في عكار منذ العام 2011. وإذ به يصطدم بواقع تجويف الوزارة وشلّها لتصير غيرَ منتجة: لا صلاحيات، لا موازنة، لا حساب مصرفيّاً خاصاً بالوزارة، لا إمكانيات ولا حتى موظفين، وقد جرت الاستعانة بموظفين من المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين والـUNDP... حتى السيارة التي قدّمتها المفوّضية العليا والتي يستدعي وضعها في الخدمة الحصول على موافقة وزارة الخارجية، لا تزال حتى الآن تنتظر تلك الموافقة.
التجربة تُثبت أنّ قضية معقّدة كهذه تحتاج إلى وزارة متخصّصة تتمتع بصلاحيات واضحة للتعاون مع الوزرات المعنيّة، الداخلية، الصحة، التربية، العمل، الاقتصاد، وحتى البيئة. وهؤلاء ممثلون في اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة الملف والتي أُنشئت أثناء حكومة سلام. لكنّ فعاليّتها موضعُ تشكيك ومساءلة!
يقول: لم يكن هناك تصوّر واضح للمعالجة، اصطدمنا بواقع أنّ الصلاحيات موزّعة بين أكثر من وزارة ووزير، خصوصاً مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي تمسّكت بـ»خطة لبنان للاستجابة للأزمات» التي كانت موكلة مهمة متابعة النازحين، وقد نقلت من رئاسة الحكومة مع سلام إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان يُفترض أن تعود إلى رئاسة الحكومة لتوضع في عهدة وزارة شؤون النازحين، لكنّ الرئيس الحريري لم يقم بهذه الخطوة لاعتبارات سياسية، وأنا بدوري لم أفتعل مشكلة بسببها.
هكذا اقتصر دور الوزارة على إنشاء منصّة تنسيق بين الوزارات لوضع سياسة موحّدة بعدما رُفضت مناقشة مسألة إنشاء هيكلية تنظيمية خاصة بالوزارة، مع العلم أنّ «معظم الوزارات كان متعاوناً متفهّماً وإن بشكل متفاوت، باستثناء وزارة الخارجية حيث كان يسعى الوزير جبران باسيل إلى إبقاء الملف عالقاً وبين يديه: بعدما وضعت اللجنة الوزارية مسودّة خطة أبلَغَنا أنه موافق عليها بنسبة 95%، ولا نزال حتى اللحظة ننتظر ملاحظاته على الـ5% ليعود ويطرح ورقة جديدة بحجّة أنه كان يمزح في ما يخصّ الـ95%. واستمرّينا على هذا المنوال من المزايدات غير المجدية، على رغم انتفاء الخلاف الجوهري الكبير».
تفاصيل المبادرة الروسية
لا يمكن لأيِّ فريق أن يُنكر أنّ عودة أكثر من مليون نازح قد تحتاج سنة واثنتين أو أكثر بسبب حجم الدمار، فيما النقاش حول إنشاء مراكز إيواء موقتة، لا يزال قائماً.
ومع ذلك يقول المرعبي إنه «يتمّ التعاطي مع المبادرة الروسية بكثير من الاستلشاء والاستخفاف، وكأنّ الروسي سيأتي بالحافلات لينقل السوريين على عاتقه ويعيدهم إلى بلادهم وهي لا تزال في عناوينها العريضة تبحث عن إمكانيات وإمكانات تنفيذها».
ولذا فإنّ أولى الخطوات العملانية المطلوبة بنظره، هي تأمين البنى التحتية في سوريا والأموال اللازمة لإعادة الإعمار. ويشير إلى أنّ «الروس أبلغونا أنهم تحدّثوا مع الأوروبيين والأميركيين في ملف إعادة الإعمار لكي يعملوا على تجهيز صندوق داعم، لكن لا جواب حتى الآن. وهذا يعني أنّ المبادرة ما تزال في مرحلتها الأولى وقد يصار إلى إعادة السوريين ممَّن لم تتضرّر منازلهم أو تضرّرت بشكل طفيف، أما الحالات الأخرى فستبقى هنا، وهي الغالبة».
ويضيف أنه سأل الوفد عن حقيقة إقامة مراكز إيواء موقتة، فكان الجواب أنهم ليسوا في هذا الوارد، وأنهم يفضلون إعادة كل النازحين مباشرة إلى منازلهم يعني بعد إتمام إعادة الإعمار، «ما يعني حصول تفاهم روسي غربي على إعادة الإعمار وتأمين المال اللازم، فيما التصريحات عبر الإعلام تتحدّث عن مراكز إيواء موقتة».
اذاً ثمّة غموض يعتري تفاصيل الخطة الروسية، ومن الصعب على اللبنانيين التكهّن ما اذا كانت ستنتظر إعادة الإعمار أي أكثر من ثلاث سنوات أم أنها ستعمد الى اقامة مراكز إيواء موقتة وما يعني ذلك من تأمين حاجاتهم اليومية ومساعدات دائمة وهي مهمة المفوضية العليا التي «بدورها لم تطّلع بعد على أيِّ خطة واضحة، رغم أنّ المسؤولين الروس يؤكّدون أنهم تواصلوا مع مسؤولي المفوّضية بشكل مبدئي».
أما البند الأكثر إلحاحاً في المبادرة فيكمن في الضمانات الأمنية الملقاة على عاتق موسكو. يؤكد وزير شؤون النازحين أنّ «الروس يقولون إنهم تحدّثوا مع السوريين الذين أبلغوهم أن لا مشكلة لديهم في العودة، وسيقدّمون في مرحلة لاحقة الضمانات الأمنية اللازمة لتحصين العودة».
اذاً، بنظره الحاجة ملحّة لوزارة متخصّصة بعد حصر المسؤوليات في إدارة واحدة تتولّى ملفّي النازحين و المجتمعات المضيفة، وتضمّ فريق عمل ميداني، يناقش المساعدات، كيفية العودة، والأهم من ذلك استكشاف مدى الرغبة الدولية في إتمام العودة. «فحتى الآن لم نعرف حقيقة مواقف الدول الأوروبية ولندن وواشنطن من المبادرة الروسية، وليتفضّل وزير الخارجية وليقُم بدوره لاستقصاء مواقف عواصم القرار».
وعمّا إذا كانت الوزارة ستخرج من حصة الحريري لمنع إحراجه في التنسيق المباشر مع دمشق، يجيب: «لن نقبل بأيِّ تنسيقٍ إلّا على المستويَين اللوجستي والتقني الذي يقوم به الأمن العام وبعض الإدارات الرسمية». وينهي بالتأكيد أنّ «الإحصاءات تفيد أنّ حوالى 95% من السوريين يرغبون في العودة الفورية بمجرد انتهاء الحرب، ونحن نؤيّد العودة اليوم قبل الغد ولكن لا نقبل أن تحصل بلا ضمانات فيما الحدود لا تزال متفلّتة ما يعني عودتهم من جديد إلى لبنان».