كل الأنظار تتجه الى شهر أيلول المقبل، حيث تنتهي ولاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ببلوغه السن القانونية (سبعين عاما)، ومن المفترض أن يتم إنتخاب مفتي جديد في إستحقاق يتخذ أبعادا سياسية، دينية ووطنية، نظرا لأهمية موقع الافتاء في العاصمة الثانية طرابلس، وتأثيره على مجمل الحراك السياسي والاجتماعي والديني في المدينة والجوار.
كما هي حال كل إنتخابات، بدأت بعض الجهات تطرح سيناريوهات عن تأجيل الانتخابات بسبب الأوضاع الراهنة، وتمديد ولاية الشعار لمدة سنة قابلة للتجديد، في حين تشدد جهات أخرى على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وإحترام المهل القانونية في دار الافتاء، مؤكدة أن من نجح في إجراء الانتخابات النيابية وقبلها الانتخابات البلدية، لن يصعب عليه إجراء إنتخابات لاختيار مفتي جديد لطرابلس خصوصا أن الهيئة العامة الناخبة لا يتعدى عددها الـ 150 عضوا ما يعني أن إجراء هذا الاستحقاق يمكن أن يتم بكل سهولة وبفترة زمنية قصيرة جدا.
من المعروف أن الرئيس سعد الحريري يريد تمديد ولاية المفتي الشعار الذي قدم له خدمات سياسية جلّى في الانتخابات النيابية الماضية وصولا الى حدود “مبايعته” خلال إحدى خطب الجمعة، وبالتالي فإن على الحريري فاتورة سياسية من المفترض أن يسددها للمفتي الشعار بتبني تمديد ولايته لسنة على الأقل.
وضمن هذا الاطار، يحرص المفتي الشعار على إشاعة أجواء من خلال الفريق المتحمس لبقائه في منصبه، بأن “قرار التمديد قد إتخذ وأن الجميع قد وافق عليه”، كما يحرص على إستقبال وتكريم بعضا من السفراء العرب المؤثرين، للايحاء أيضا بأن التمديد له يحظى برضى إقليمي وذلك بهدف تشكيل ضغط على بعض المشايخ وأعضاء الهيئة الناخبة لتمرير هذا الاستحقاق على خير.
في المقابل ثمة حركة إعتراضية تكبر وتتنامى يوما بعد يوم رفضا لتمديد ولاية الشعار، حيث تشير المعلومات الى أن عددا من أعضاء المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى بدأوا بزيارات لمرجعيات سنية من أجل الدفع باتجاه الحفاظ على المهل القانونية بما خص إنتخابات مفتي طرابلس، والتشديد على أن إحترام الأنظمة والقوانين يساهم في تقوية المؤسسة الدينية وفي جعلها أكثر شفافية، كما من شأن ذلك أن يعطي الأمل ببعض التغيير نحو الأفضل لأن إنتخاب مفتي خلفا للشعار سيساهم في ضخ دم جديد في هذه المؤسسة، كما سيكون لصاحب السماحة الجديد رؤى وأفكار من شأنها النهوض بها، في حين يؤكد عدد من أعضاء المجلس الشرعي أن مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبداللطيف دريان يسير في إتجاه إحترام المهل القانونية وعدم الدخول في لعبة التمديد التي من شأنها أن تضعف المؤسسة الدينية وتطرح سلسلة من علامات الاستفهام عدم قدرتها إجراء إنتخابات لاختيار مفتي طرابلس.
وتمتد الحركة الاعتراضية سياسيا، حيث أن رغبة الرئيس سعد الحريري بالتمديد للمفتي الشعار لم تعد تسري على كل النواب السنة في طرابلس والضنية، بل هي ستصطدم حتما برفض مطلق من النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد وهما من أنصار إنتخاب مفتي جديد في أسرع وقت ممكن، في وقت لم يصدر فيه عن الرئيس نجيب ميقاتي أي موقف رسمي حيال إنتخابات الافتاء، لكن بعض المقربين منه يؤكدون حرصه على مقام المؤسسة الدينية والذي يتعزز بالحفاظ على المهل القانونية وإجراء الانتخابات في مواعيدها، في حين يشير النائب محمد كبارة الى أنه لم يتخذ قرارا حيال هذا الاستحقاق بعد.
من الواضح أن معركة الافتاء في طرابلس تسير ببرودة في الشكل، لكنها في المضمون كالنار تحت الرماد، حيث يواجه التمديد للشعار معارضة شديدة، خصوصا أن الطامحين لخلافته كثر، حيث يؤكد المعارضون للتمديد ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها لأن ذلك يعطي المؤسسة الدينية قوة ومنعة وحضورا، وأنه في حال تعذر إجراء الانتخابات لأي سبب كان في أيلول المقبل، فلا داعي لحصول أي تمديد، حيث يتسلم منصب الافتاء بالوكالة أمين الفتوى الشيخ محمد إمام الى أن يصار الى تحديد موعد جديد للانتخابات.