نقاشات الجلسة المغلقة التي سرّبتها مصادر اطّلعت على فحواها لـ»الجمهورية»، تميّزت بأنها خلت من الصخب، وسارت هادئة عموماً. غير أنّ الأمر الذي برز خلالها وظلّ بعيداً من الاضواء، هو موقف واشنطن الذي جاء مفاجِئاً يطالب بضرورة إزالة «القوة البحرية» من اليونيفيل، أو ما سمّاه مندوب الولايات المتحدة الاميركية إزالة «المكوّن البحري» من عمليات قوة القبعات الزرق في الجنوب اللبناني. وبرّرت واشنطن مطلبها هذا، بأنه مكلفٌ مالياً، ولم تعد له ضرورة عملياتية. لكنّ ممثل موسكو في خلال مطالعته داخل الجلسة ردّ بنحو غير مباشر على موقف واشنطن، مؤكّداً أنّ روسيا ترى أنه من الضروري استمرار عمل القوة البحرية ضمن «اليونيفيل» في منطقة عمليات القرار 1701.
وفي نظر متابعين للنقاش في جلسة لمجلس الامن المتّسمة بأنها تمهّد لتجديد إنتداب قوات «اليونيفيل» خلال بدايات هذا الشهر، إنّ الطرح الاميركي في شأن مستقبل القوة البحرية فيها، يشكل بامتياز معطىً جديداً طرأ على النقاش الدولي في ملف «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، حيث لم يتمّ سابقاً التعرّض للقوة البحرية بصفتها محلّ خلاف دولي عليها، وكانت الخلافات - ولا تزال - تنحصر بنقاط أخرى كالجدل حول توسيع نطاق عمل دوريات اليونيفيل للتفتيش عن السلاح، لتشمل دواخل القرى والبلدات في منطقة عملياتها.
وتُعتبر المانيا الدولة الوازنة في قوات «اليونيفيل» البحرية، في مقابل أنّ فرنسا تشكّل العمود الفقري والسياسي لـ»اليونيفيل» البرّية. وحينما التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال زيارتها الاخيرة لبيروت، تعمّد الأخير أن يشكر أمامها دور المانيا في قوة «اليونيفيل» البحرية، موضحاً لها أنّ تثمينه هذا الدور الألماني ينطلق من كونه يعتبره مهمّاً في «حفظ حق لبنان على سيادته البحرية» التي لا تزال هناك ضمنها منطقة متنازع عليها مع إسرائيل.
وفي الأساس فإنّ هدف القوة البحرية في «اليونيفيل» تبلور بدايةً بناءًَ على طلب الحكومة اللبنانية مراقبة تهريب السلاح عبر المياه الإقليمية اللبنانية، ولكنّ الفترة الاخيرة شهدت تطويراً لهذا الهدف، فشمل مساعدة البحرية اللبنانية على القيام وحدها مستقبلاً بمهمة حفظ كل حدود لبنان البحرية.
وضمن هذا السياق، فإنّ مراجع لبنانية تعزو سبب طرح واشنطن للمرة الاولى تفكيك القوة البحرية في «اليونيفيل» الى إعتبار اساسي مستجدّ، كان لبنان يحتسب ويتوقع تفاعله على طاولة مجلس الامن منذ فترة. وهذا الاعتبار يتصل بمحاولة أميركية لمواكبة ما تخطّط له إسرائيل حول رؤيتها لحلّ ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، حيث ترغب بإجراء «مبادلة المنطقة البرّية التي تحتلها بالمنطقة البحرية المتنازَع عليها». وتفاصيل خطة «المبادلة» الإسرائيلية، كما تداولتها مصادر سبق وقدّمت معلومات عنها للبنان، تقوم على الانسحاب الإسرائيلي من الحدود البرّية (مزارع شبعا) في مقابل أن يقدّم لبنان تنازلاتٍ جوهرية في شأن منطقة نزاعه البحري مع إسرائيل. وتحصل إسرائيل من هذه الخطة في حال تنفيذها، على نوعين من الأهداف:
ـ أولاً، نزع شرعية سلاح «حزب الله» جراء انسحابها من منطقة شبعا اللبنانية، وإحراجه داخلياً في حال بدا أنه ضد «صفقة المبادلة» التي تعرض على لبنان وبدء التنقيب عن غازه والإفادة من ثورته النفطية، وايضاً عودته الى أرضه البرّية المحتلة في مقابل تنازلات مطلوبة إسرائيلياً في المنطقة البحرية المتنازَع عليها.
ـ ثانياً، كمقدمة لحلّ «المبادلة» تسعى إسرائيل الى إخراج المنطقة البحرية المتنازَع عليها من نطاق المفعول القانوني للقرار 1701، وجعل مرجعية حلّ النزاع اللبناني ـ الإسرائيلي الناشب فيها (أي الحدود البحرية) محصورة فقط بجهة الوساطة الأميركية القائمة أصلاً منذ فريدريك هوف وأموس هوشتاين وصولاً الى ديفيد سترفيلد الذي لمّح في آخر زيارة له للتوسط بين لبنان وتل أبيب قبل نحو ثلاثة اشهر الى صفقة «المبادلة».
والواقع أنّ هدف تمهيد مسرح منطقة الحدود البرّية والبحرية بين لبنان وإسرائيل ليصبح ملائماً قانونياً ولوجستياً لـ»صفقة المبادلة»، هو الذي يفسّر لماذا طالبت واشنطن في جلسة مجلس الأمن المغلقة في 23 من الشهر الماضي بضرورة تفكيك قوة «اليونيفيل» البحرية، معتبرةً أنّ «موجبات أهمية دورها تراجعت»!.
وفي المقابل لماذا تشدّدت روسيا في الإبقاء على «اليونيفيل» البحري؟ فموسكو تعلم أنّ المعايير التي ستُتبع في تسوية ترسيم حدود الغاز البحري بين لبنان وإسرائيل ستُتبع هي نفسها في ترسيم خط الغاز البحري بين لبنان وسوريا، ولذلك تُظهر موسكو إهتماماً بأن تكون على طاولة البحث في تسوية الملفّين.