كشف الجيش اللبناني، أمس، عن عملية أمنية نتج منها توقيف ثمانية لبنانيين ينتمون إلى تنظيم «داعش». وأشار الجيش في بيان صادر عنه إلى أن العملية جرت بالتعاون مع أجهزة أمنية صديقة من دون أي تفصيل إضافي. لكن حقيقة الأمر، أن العملية التي جرت قبل أكثر من شهر، شابتها أخطاء أساسية في الشكل، وأن الجانب الأميركي هو الطرف الآخر في العملية، وأن مشكلات قضائية وقانونية نجمت عن العملية يجري العمل على تذليلها بطلب ومتابعة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
 

في معلومات «الأخبار»، أن الجانب الأميركي الذي يملك قناة اتصال بمديرية المخابرات في الجيش اللبناني، بعث برسالة عاجلة قبل نحو أربعين يوماً، تفيد بأن قيادة العمليات الأميركية في المنطقة، باشرت باتخاذ سلسلة خطوات تمهّد لخروج القوات الأميركية من سوريا، وأن ملفات عسكرية وأمنية تتطلب العلاج قبل الانسحاب النهائي، ومن بينها معالجة ملف عشرات الموقوفين من عناصر «داعش» الموجودين في سجون تتبع للجيش الأميركي في سوريا.
وتفيد المعلومات بأن الأميركيين شرحوا أنه مع تمدد انتشارهم إلى جانب القوات الكردية في شمال شرق سوريا، وعلى إثر المواجهات مع تنظيم «داعش»، أُوقف عشرات الأعضاء والكوادر المنتمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»،، وأُخضِعوا جميعاً لتحقيقات مفصّلة، كشفت عن مهماتهم وهوياتهم وجنسياتهم. واتفقت القوات الأميركية مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) على آليات، بينها أن تتولى الأخيرة متابعة ملفات الموقوفين من حاملي الجنسية السورية حصراً، أما باقي الموقوفين من جنسيات عربية وأجنبية، فسيخضعون لوصاية القوات الأميركية وإدارتها. وحُدِّدَت هوية المئات من حملة جنسيات أجنبية، بينهم 13 لبنانياً على الأقل.
قال الأميركيون في معرض شرحهم الخطوة للجانب اللبناني، إن القوات الكردية ليست قوات رسمية أو حكومية، وليس هناك دولة معترف بها حتى تُترَك الأمور لإدارتها. وقال الأميركيون أيضاً إنهم يفضّلون نقل كل موقوف بحسب جنسيته إلى بلده الأساسي، بعد التأكد من كونهم مطلوبين في هذا الجرم الإرهابي، وعندها تُترَك لهذه الحكومات حرية التصرف. وأوضح الأميركيون أنهم باشروا العمل على هذا الخط، ونقلوا موقوفين إلى دول عربية عدة، وإلى دول أجنبية، وهم يريدون من لبنان التعاون معهم في الأمر.
عند هذا الحد، تردد أن الجانب الأميركي أثار الموضوع أولاً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، على قاعدة أن تتسلم قوى الأمن الداخلي الموقوفين، لكنّ تقييماً صدر عن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوصى بعدم توريطه في مهمة قد تحمل في طيّاتها أبعاداً سياسية، وربما أمنية غير مضمونة. علماً أن فرع المعلومات تثبت من كون الأشخاص الموقوفين هم من المطلوبين للسلطات اللبنانية.


على الأثر، تقرر أن تجري العملية بالتعاون مع مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، وبعد اطلاع قيادة الجيش على التفاصيل، أُبلِغ الرئيس عون فقط بالخطوة. لكن اللافت للانتباه أن الجيش التزم طلباً أميركياً بعدم التنسيق مع أي جهاز لبناني آخر، وعلى هذا الأساس، أُنجِزَت ترتيبات أمنية خاصة في مطار بيروت الدولي، بحيث لا يتدخل أحد (غير مخابرات الجيش) في عملية التسليم والتسلّم.
بناءً عليه، حطّت طائرة عسكرية أميركية ليلاً، قبل أكثر من شهر، في مطار بيروت، وكان في انتظارها وفد من مخابرات الجيش، بينما تولت القوة الضاربة التابعة للمخابرات الإجراءات الأمنية وعزل الطائرة ومنع أيّ أحد من الاقتراب منها، وأُبعِد كل الضباط الآخرين، سواءٌ العاملون في الأمن العام أو قوى الأمن أو جهاز أمن المطار. وقد بُررت الخطوة بأن الطائرة تحمل معدات خاصة بالجيش، ولا وجوب لأحد بالتدخل أو الاطلاع عليها. وتولت سيارات تابعة للمخابرات العسكرية نقل الموقوفين إلى اليرزة، حيث أُخضِعوا لتحقيق مفصَّل، تبين بنتيجته أن الثمانية من حملة الجنسية اللبنانية، وسبق أن سافروا عبر مطار بيروت باتجاه تركيا، ومن هناك انتقلوا إلى الأراضي السورية، حيث كان في انتظارهم من تولى تجنيدهم لمصلحة تنظيم «داعش»، وهم تنقلوا في المدن والقرى التي كانت تحت سيطرة التنظيم سابقاً. وقد أقروا بأنهم شاركوا في العمليات العسكرية، وأُوقفتهم القوات الكردية قبل تسليمهم للجيش الأميركي.
تصرفت قيادة الجيش على أساس أنها حققت إنجازاً أمنياً كبيراً، لكنها لم تُطلع سوى الرئيس عون على التفاصيل. وبعد مضي أسابيع على التوقيف، تنبهت قيادة الجيش إلى وجود مشكلة حقيقية، لكون القضاء المختص ليس على علم بالأمر، وأنه لم يُدخَل هؤلاء إلى لبنان بالطرق القانونية المعتمدة. وقد أُثيرت الضجة بعدما سعى فرع المعلومات إلى التثبت من الخبر عند سؤاله الأمن العام الذي لم يكن في الصورة، إلا عندما بادر الرئيس عون إلى طرح المشكلة مع اللواء عباس إبراهيم الذي سجل اعتراضاً واضحاً على آلية العمل وتجاهلها أبسط المعايير، لناحية أصول تسليم المطلوبين بين الدول، ولجهة تجاوز الأمن العام في إدخال عناصر بشرية لبنانية أو غير لبنانية عبر مطار بيروت إلى لبنان.


إثر ذلك، طلب الرئيس عون من قائد الجيش جوزف عون التنسيق مع وزير العدل سليم جريصاتي لإيجاد المخرج القانوني المناسب، وبادر الأخير إلى بحث الأمر مع رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين العبدالله، ومع مفوض الحكومة لدى المحكمة القاضي بيتر جرمانوس اللذين أبلغاه أن الصلاحية تبدأ من المدعي العام للتمييز، القاضي سمير حمود، الذي يفترض به الادعاء عليهم وإحالتهم على المحكمة العسكرية بجرم القيام بأعمال إرهابية، وإحالتهم أمام قاضي التحقيق المختص.
ومع أن القاضي حمود ليس متردداً في متابعة ملف يخصّ أمن الدولة، إلا أنه سجّل أيضاً اعتراضه على آلية العمل وعلى ما جرى القيام به دون احترام الأصول، بمعزل عن أهمية الأمر في مواجهة خطر الإرهاب أو صيانة الأمن القومي للبنان. ورغم أنّ النائب العام التمييزي رفض التعليق على القضية، طالباً الاكتفاء بالبيان الذي صدر عن الجيش، استغربت مصادر قضائية توقيف مجموعة مطلوبين خطرين على الأراضي اللبنانية من دون مرور الأمر عبر السلطات القضائية!
وإلى جانب الاتصالات الرسمية، جرت اتصالات من قبل قيادة الجيش بقوة نافذة في لبنان لتوضيح أن الأمر له إطاره المحصور في عملية تسلُّم مطلوبين لبنانيين، مع إقرار بأن هناك خطأً حصل، لكن الجيش أكد التزامه عدم القيام بتلبية طلبات أميركية أو غير أميركية تخصّ ملفات أمنية بهذه الحساسية. وجاءت توضيحات الجيش على إثر تردد شائعات مفادها أن الأميركيين يفكرون في تسليم لبنان ودول أخرى المزيد من الموقوفين، ولو كانوا من غير الجنسية اللبنانية، وكذلك جاء موقف الجيش بعد تعاظم المخاوف من قبول لبنان، عن قصد أو عن غير قصد، تولي مهمة إدارة سجون سرية تخصّ الأميركيين، كتلك المنتشرة في العالم منذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001.


يشار هنا إلى أن الموقوفين قبعوا في سجونٍ اليرزة، طوال أكثر من شهر، ومن دون إبلاغ ذويهم أو حتى الأجهزة القضائية، قبل أن تخرج مديرية المخابرات ببيانٍ رسمي، أمس، تقول فيه إنّها «أحالت على القضاء المختص ثمانية موقوفين لبنانيين، ينتمون إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، قاتلوا في صفوفه في سوريا والعراق، وقد أُوقفوا وسُلِّموا لمديرية المخابرات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الصديقة، وذلك في إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وبالتنسيق مع السلطات القضائية اللبنانية المختصة».
وعلمت «الأخبار» أنّ من بين الموقوفين الذين سُلِّموا للجيش: محمد عثمان، قاسم مزقزق، محمود خضر ونبيل قمر الدين، فضلاً عن أربعة آخرين تكتمت المصادر العسكرية عن أسمائهم. وعلم أن اللبنانيين الخمسة الآخرين لا يزالون في عهدة الأميركيين، وبينهم الأمير الشرعي في «داعش» طارق الخياط المعروف بـ«أبو عبد الله الطرابلسي» الذي خطّط لتفجير طائرة إماراتية فوق سيدني، بالتعاون مع أشقائه، وأحدهم عامر الموجود في السجون اللبنانية، بعدما ألقي القبض عليه وهو قيد المحاكمة أمام المحكمة العسكرية في بيروت