خلاصة الاسابيع الـ13؛ انّ التأليف يبتعد شيئاً فشيئاً عن محطة بلوغه، ويعزز ذلك جمود حركة الاتصالات الجدية والمجدية، وتعطل لغة الكلام المفيد، حتى بين الشركاء الحصريين في تأليف الحكومة، والاستعاضة عن ذلك بالتخاطب من خلف المتاريس وعبر الشاشات والقنوات وصفحات الجرائد من دون ان ننسى التغريدات ومواقع التواصل، وهو أمر يلقي ظلالا من الشك حول مستقبل هذا الاستحقاق، وكيفية ملء الفراغ الحكومي الذي دخل فيه البلد مع ولادة المجلس النيابي الحالي في أيار الماضي.


تؤشر هذه الاجواء الى انّ فرصة التوصل الى صيغة حكومية تقوم ولو على توافق الحد الادنى، غير متوافرة حتى الآن، ذلك ان القوى السياسية، وخصوصا تلك الواقعة مباشرة على خط العقد المعطلة للتأليف، اي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه السياسي، الرئيس المكلف وفريقه السياسي، «القوات اللبنانية»، ووليد جنبلاط، لم يخطُ اي منها خطوة متقدمة خارج المربع التي ثبتت فيه منذ تشغيل الحريري محركات التأليف، بل لم يطرق اي منها باب التنازل المتبادل خدمة للتسريع في تشكيل الحكومة.


وعلى ما يؤكد معنيون بهذه الازمة، فإن كرة الحل تكمن ضمن هذا المربّع، لكن التباعد القائم بين اضلعه، وعدم تقدم اي طرف في اتجاه الآخر، يعنيان ان شروط الطبخة الحكومية لم تنضج بعد.


وبحسب هؤلاء فإنّ ثمة صعوبة جدية في صياغة حلول ومخارج ربطاً بأربعة اسباب:


الأول، تصلّب التيار الوطني الحر ومن خلاله تكتل لبنان القوي، ومن خلفه رئيس الجمهورية، وتأكيده على وجوب التمثل في الحكومة بحصة وزارية وازنة تناسب حجمه النيابي كأكبر كتلة في مجلس النواب. وبالتالي، هي حصة تزيد عن ثلث الحكومة.


الثاني، إصرار «القوات» على حصة في الحكومة توازي حجمها المسيحي والسياسي والنيابي، ومصادرها تجدد التأكيد على رفضها القطعي بالتمثل في الحكومة الجديدة بنفس حجم تمثيلها في حكومة تصريف الاعمال الحالية، ما يعني انها لم تتراجع عن مطلب الخمس حقائب ومن ضمنها طبعاً حقيبة سيادية.


الثالث، رفض الرئيس المكلف القطعي، للوصول الى حكومة غير متوازنة، لا يتمتع فيها رئيسها بكل قوته المعنوية والسياسية، ومن هنا عدم مماشاته لأي طرح يُتوخى منه إحداث اكثريات وزارية معينة من لون معيّن داخل الحكومة، تتحكم بمصيرها، وتجعل من هذه الأكثرية، كالـ«الثلث المعطّل» مثلاً، سلاح تهديد دائم عليها. وكذلك رفض الرئيس المكلف توزير اي شخصية سنية، خارج مظلته او فريقه السياسي، وخصوصاً ممن يسمون سنّة المعارضة. وهنا ينقل احد نواب كتلة المستقبل عن الحريري قوله امام اجتماع الكتلة الاسبوعي ما مفاده انّ الرئيس المكلف لا يمانع بأن يضم رئيس الجمهورية شخصية سنية الى الحصة الرئاسية، الا أنه إن وافق على توزير اي سني خارج اطار المستقبل، فعندئذ سعد الحريري في الحكومة لا يكون سعد الحريري».


الرابع، تشدد جنبلاط في مطالبته بحصر التمثيل الدرزي في الحكومة بالحزب التقدمي الاشتراكي، وعدم الموافقة بشكل قاطع على ما تقول مصادر قريبة انه «فرض لشراكة درزية على جنبلاط من خارج البيت الدرزي، كمثل ما يسعى اليه التيار الوطني الحر بفرض توزير النائب طلال ارسلان عبر استحداث كتلة نيابية وهمية نوابها اعضاء في تكتل لبنان القوي، ما يعني انّ هذا التكتل يأخذ بالجملة بالنسبة الى حصته، ويأخذ بالمفرق من خلال هذه الكتلة المصطنعة».

واللافت هنا، ما تشير اليه مصادر قريبة من الرئيس المكلف، بأن الحريري اكد امام نواب في تيار المستقبل، انه على الخط الحكومي «لن أقبل ابداً بأن يُهزم وليد جنبلاط، ولست انا وحدي في هذا الأمر بل غيري ايضاً». في اشارة غير مباشرة الى الرئيس بري، وهو ما تؤكده مصادر نيابية اشتراكية.


في الحراك، محطة لافتة مساء أمس في بيت الوسط، بين الرئيس المكلف ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، تأتي غداة اللقاء بين بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في عين التينة، وشكّل فيه الوضع الحكومي عنوان البحث الاساسي فيه. وفيما بقيت خطوط التواصل مقطوعة بين الحريري وباسيل، رد عاملون على مطبخ التأليف السبب الى انّ «من يتصل اولاً، فكلاهما ينتظر الآخر لأن يبادر الى الاتصال به».

لا للاصطفافات
وفي موازاة بدء الحديث عن اصطفافات جديدة في البلد تُذكّر باصطفافي 8 و14 آذار، يبرز رفض بري أيّ اصطفاف لمحاور مقابل محاور، حتى مجرّد التفكير بهذا التوجه لا يفيد، بل لا بد من الاصطفاف خلف البلد. وعاد وأكد امام «نواب الاربعاء» في عين التينة «على العمل بكل الطاقات للاسراع في تشكيل الحكومة نظراً لدقة الوضع الذي نعيشه جميعاً، وانّ على الجميع التعامل بمرونة وبمسؤولية في التعاطي مع هذا الموضوع لتسهيل عملية التأليف والخروج من حال المراوحة». ولعل الخطوة الاساسية في هذا الاتجاه، تكمن كما يقول بري في ضرورة التلاقي والحوار مهما اختلفت الآراء ووجهات النظر، الخلاف امر غير محمود ولا يجب ان يحصل، واما الاختلاف فهو امر طبيعي، يمكن ان توجد له الحلول بالتفاهم والتعاون، وهذا ما يجب ان يحصل. والأهم من كل ذلك هو الّا نحوّل الاختلاف الى خلاف، فهنا تصبح الامور صعبة.


وبناء على صورة المشهد الحكومي، يبدو انّ تأخير تأليف الحكومة ناجم عن عامل داخلي، خلافاً لِما يشاع في بعض الاوساط السياسية بانّ مصدر التعطيل خارجي.

عتب أوروبي
واذا كان بري، من خلال دعوته الى تواضع القوى السياسية في مطالبها والى التلاقي بين بعضها البعض لتسهيل التأليف، قد اشار بشكل مباشر الى السبب الداخلي المعطل، وخصوصاً حينما قال ان الظن بوجود عامل تعطيل خارجي للحكومة، هو ظن مشروع الّا انه ليس هناك من دليل يؤكده، فإنّ مصادر وزارية كشفت لـ«الجمهورية» ان مراجع سياسية وديبلوماسية غربية نقلت الى مستويات رفيعة في الدولة «عتباً»، على إيحاء بعض الجهات السياسية بدور لبعض الدول الغربية في تأخير تأليف الحكومة.


وبحسب المصادر فإنّ التقارير الواردة من العديد من الدول الاوروبية تعكس تشجيعاً للبنان على حفظ استقراره والمضي بحياته السياسية بشكل طبيعي، وهذا يتأمّن بالدرجة الاولى عبر الاسراع في تشكيل حكومة. واللافت في هذا السياق ما نَقله عائدون من باريس، من اجواء تفيد بأنّ السلطات الفرنسية تتابع الوضع اللبناني، وتأمل بأن يتمكن لبنان من تشكيل حكومته في اسرع وقت ممكن، فثمة خطوات ضرورية لا بد من الاقدام عليها وتندرج في سياق متابعة ما بُدىء به في مؤتمر باريس (سيدر). وبحسب هؤلاء العائدين فإنّ نصائح بهذا المعنى تم إرسالها الى المسؤولين في لبنان، بأن من الضروري تشكيل حكومة وهذا امر بأيدي اللبنانيين.


السعودية تدعم الحريري
يتقاطع ذلك مع اجواء سعودية مماثلة نقلتها شخصيات لبنانية زارت الرياض في الآونة الأخيرة. وبحسب هؤلاء، فإنّ مسؤولين سعوديين اكدوا انّ المملكة لطالما وقفت مع لبنان، ولطالما نظرت اليه نظرة ود وأخوّة، وحرص على امنه واستقراره وعلى ان ينعم دائماً بالرخاء والازدهار. وهي ما زالت على هذا المنحى الذي يرتكز بشكل اساس على عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية، وهذه هي سياسة المملكة، ليس فقط مع لبنان بل سائر الدول الاخرى.


وبحسب الزوار فإنهم لمسوا استغراباً لدى المسؤولين السعوديين لمحاولة اتهام المملكة بأنها تعطل تأليف الحكومة في لبنان، في وقت تدعو باستمرار الى تشكيل هذه الحكومة سريعاً، وهي ترى في ذلك فرصة لانطلاق لبنان نحو مواكبة وضعه الاقتصادي وتعزيز أمنه واستقراره، وكل ما يخدم مصالح الشعب اللبناني الشقيق. واللافت للانتباه في ما نقله الزوار هو إشادة المسؤولين السعوديين بالرئيس المكلف سعد الحريري، وتأكيدهم وقوف المملكة الى جانبه.

عون
الى ذلك، تناول الرئيس عون الملف الحكومي في خطابه امام حفل تخريج الضباط الذي اقيم امس، في المدرسة الحربية في الفياضية لمناسبة عيد الجيش، وفي حضور الرئيسين بري والحريري وشخصيات وزارية ونيابية وديبلوماسية. حيث قال: «صوت اللبنانيين الذي تمثّل في مجلس النواب يجب أن ينعكس أيضاً على تشكيل الحكومة العتيدة، وكلنا تصميم في هذا الإطار ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر، وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطل مسيرة الدولة».


وأضاف: «عزمنا واضح، وهو أن تكون هذه الحكومة جامعة للمكوِّنات اللبنانية من دون تهميش أي مكوِّن أو إلغاء دوره، ومن دون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف». وقال: «إذا كانت بعض المطالب قد أخَّرت حتى الآن تشكيل الحكومة، فأود هنا أن أجدد تأكيد عزمي بالتعاون مع دولة الرئيس المكلف على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة الحكومة، مراهناً على تعاون جميع الأطراف وحسّهم الوطني، لأنّ أي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا هو خيانة للوطن وآمال الناس».

المطارنة
بدوره، دعا مجلس المطارنة الموارنة، في بيان بعد اجتماعه الشهري في الديمان أمس، المراجع الرسمية الى تجاوز الخلافات الناشئة عن المحاصصة والاسراع بالتوصّل الى اتفاق على حكومة قادرة على مواجهة الاستحقاقات الداهمة، وخصوصاً على صعيد الامور الحياتية. وأبدى المجلس ارتياحه لتولّي روسيا عملية الاشراف على عودة السوريين الى ديارهم، ودعا للاعتناء بهذا الملف من دون عرقلته لاسباب سياسية.

8 موقوفين
على الصعيد الامني، علمت «الجمهورية» من مصادر أمنية مطلعة أن جهازاً أمنياً غربيّاً ساهم في تسليم الجيش الموقوفين اللبنانيين الثمانية الذين كانوا يقاتلون في سوريا والعراق إلى جانب داعش، وتمت إحالتهم إلى القضاء المختص وفق بيان الجيش.
واشارت المصادر إلى أنّ هؤلاء كانت لهم على الأرجح امتدادات في الداخل اللبناني، وبالتالي فإنّ توقيفهم ومن ثم تسليمهم، قطعَ خيوطهم المتمددة وأزال المخاطر التي كان يمكن أن تترتّب عن دورهم الإرهابي وصلاتهم المحلية.