سؤال آخذ بالاستفاقة مجدّداً يوماً في إثر يوم: هل يعود النظام السوري إلى الواقع اللبناني الداخلي، في مرحلة إعادة تمدّد رقعة سيطرته بفعل التدخّلَين الروسي والإيراني بالدرجة الاولى، والافتراق الواضح بين الديناميات الشعبية الانتفاضية السورية 2011 - 2012 وبين مآل الفصائل المسلّحة بالدرجة الثانية ومحاصرة أقربها لنهج الثورة الشعبية بين نارين، نار النظام وحلفائه، ونار "داعش" و"النصرة"، وكذلك بفعل محافظته على قواعد أهلية مؤيّدة له لا يمكن اختزالها في مجموعة واحدة، وإنما على حساب وحدة المجتمع السوري، وبما ساهم في تهجير ثلث هذا المجتمع؟
السؤال لا يُطرح بهذه المباشرة بعد، لكنه يُطرح. الذين راهنوا على قدرة هذا النظام البعثي، الاسدي، في قمع المنتفضين عليه تباعاً، وساهموا في مدّه بشتى أنواع المناصرة، هم أول من يهمّ بطرح السؤال، بل يطرحونه جواباً محسوماً، بأن النظام الى الداخل اللبناني عائد. منهم من تدفع بهم النوبة الى المطالبة بإعادة تأثيره بل نفوذه بمبادرة من اللبنانيين أنفسهم، من بوابة عودة اللاجئين وليس اكتفاء فيها، ومنهم من تصل بهم الرغبة الى حد التقدير بأن النظام المعزول دولياً، بصرف النظر عن اسلوب تصرّف أو عدم تصرّف المجموعة الدولية حيال سوريا، عائد الى لبنان بتوكيل دولي غربي جديد.
بعض من التشنّج والعرقلة في مرحلة ما بعد الانتخابات راجع الى عودة هذا السؤال، بعد سبع سنوات من الاعتقاد بأنه صار كلّياً وراءنا في إثر انفجار الوضع في سوريا، وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً على الجلاء السوري عن لبنان. في الوقت عينه، عودة النفوذ الاسدي الى الداخل اللبناني هي مقولة من الصعب مواءمتها مع اشياء مختلفة، مع حجم النفوذ الايراني في البلد، الذي ستكون هكذا عودة على حسابه على نهاية التحليل، ومع كل المحاولات التحييدية، أقلّه الرسمية، للبنان عن الحرب السورية، وتتصل بها سياسة "النأي بالنفس" التي سمحت بتمديد التسوية الحكومية الى فترة الانتخابات، ويرتبط الاسراع في التشكيل بالقدرة على مواصلة هذه السياسة الى حد كبير، وليس فقط بتوفر الحيلة للإفلات من صراع الأحجام، على حيثيته العويصة القائمة بذاتها.
هل يعود النظام الاسدي الى لبنان؟ حتى الآن: 1 ـ هي عودة مشتهاة، من حلفاء هذا النظام العضويين، الأصغر حجماً، أكثر من حلفائه "الاستراتيجيين"، أو الأكبر حجماً. 2 ـ ليس هناك اي دولة، روسيا او الولايات المتحدة او اي دولة اخرى، بصدد اعادة تكليف النظام الاسدي بمهام في لبنان، لا بل ان كل هذه الدول، بما فيها روسيا، من الارجح ان تنظر بشكل سلبي لاي محاولة "تسلل" لهذا النظام الى الواقع اللبناني مجدداً. 3 ـ الدافع الاساسي لمحاولة النظام العودة لممارسة تأثير في لبنان هو الهروب من تحديات فترة نهاية الحرب السورية، وخصوصاً ظهور الترابط بين ملفات إعادة اللاجئين، إعادة الإعمار، الحل السياسي، وظهور عناصر التقاء روسية ـ اميركية على محك هذا التشبيك بين الملفات. 4 ـ لا يلغي ذلك انه كانت دائماً للنظام، حتى في أصعب لحظة اجتازها ضمن الحرب السورية، أوراق في لبنان، والأهم منها خبرة بالاوضاع اللبنانية. بالتالي، كلما تعقّدت التناقضات الداخلية، وعرقلت تشكيل الحكومة أو إقلاعها بإيقاع منتظم، كلما استطاع هذا النظام ان يعود من زجاج النافذة المهشم.
في سوريا نفسها، الأشهر المقبلة ستتكفّل بإخبارنا اذا كان النفوذ الروسي فيها سيتوسّع أو يتضاءل. النفوذ الروسي في سوريا سيصعّب الأمور على ممارسة النظام فيها نفوذاً داخل لبنان، أو هذه هي الفرضية الراجحة هنا. وربما كانت لازمة هذه الفرضية أن السؤال - الهاجس في الوقت الحالي "هل يعود النظام السوري الى ممارسة نفوذ له في الداخل اللبناني؟" يُخفي سؤالاً أكثر جدية، لكن معطياته لا تزال أولية: "هل يمتد النفوذ الروسي من سوريا الى لبنان؟".