هل يعني هذا الموقف فتح معركة مع الحريري؟ ليس معركة بالمعنى المعلن تقول الأوساط، لكن أيضاً لم يعد هناك مفرّ من وضع الأمور في نصابها، فالحكومة ربما تكون حكومة السنوات الأربع المقبلة، ولذلك يشدّد رئيس الجمهورية ميشال عون على أن تكون حكومة تساهم في إنجاح عهده وليس في إحباطه من بداية الطريق.
وتضيف هذه الاوساط: «بدأنا نلمس جدّياً أنّ هناك اتّجاهاً لإحباط العهد ومحاربته انطلاقاً من تأليف الحكومة، وعون يعرف انّ الحريري ليس في نيّته المشاركة في إحباط العهد، لكنّ المسار الذي يتّبعه يؤدّي عملياً الى هذه النتائج». وتقول: «يلعبون لعبة إمساك العهد في المكان الذي يوجعه، أي عدم تأليف الحكومة، لكنهم لا يعرفون أنّ عون قادر على الانتظار أكثر منهم، فهو الآن السلطة الحقيقية التي تمتلك التوقيع الساري المفعول، فلا الرئيس المكلّف يمتلك السلطة، لأنّ صلاحيّاته كرئيس مكلّف أقل من صلاحيات أيّ وزير في الحكومة المستقيلة حتى لو انتقل الى السراي الحكومي لتصريف الأعمال، ولا رئيس المجلس النيابي يمتلك السلطة في ظلّ مجلس نيابي من دون حكومة، وعلى هذا تمنّى عون على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن لا يذهب الى عقد جلسة عامة للمجلس لأنها تشكل سابقة دستورية.
وتشير الاوساط الى «أنّ قدرة عون على الاختيار بين حكومة سيّئة والانتظار لتأليف حكومة متوازنة هي قدرة غير محدودة، لأنه الآن السلطة الوحيدة التي تعمل بكل قدراتها الدستورية، فيما المواقع الأخرى تدفع ثمن الانتظار، فلا ننصحهم بأن يلعبوا ورقة الانتظار حتى النهاية».
وتذكّر هذه الأوساط بتأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فيومها لم يعتبر عون أنه حقق إنجازاً على رغم من أنه نال عشرة وزراء، وقال أمام محازبي التيار: «عندما نمتلك توقيعاً من ثلاثة تواقيع (رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو وزارة المال) نكون قد امتلكنا حضوراً حقيقياً في الدولة»، واليوم، تضيف الأوساط، بات توقيع عون هو التوقيع الأقوى والمنطلق الى تسيير عمل الدولة، وإذا كان الرئيس المكلّف يؤلف الحكومة فإنّ توقيع رئيس الجمهورية هو الذي يستولدها، فدوره وصلاحياته وفقاً لاتفاق الطائف الذي يتمسّك به، يُملي عليه أن لا يخرج مرسوم التأليف من قصر بعبدا إلّا إذا كانت الحكومة جزءاً من نجاح العهد، فيما يشبه دور الرئيس المكلّف دور المقرّر في المجلس الدستوري، فهو الذي يتسلّم المهمة ويطبخ التشكيلة الوزارية، اما صلاحية إصدار القرار، أي ولادة الحكومة فهي لدى المجلس (اي لدى رئيس الجمهورية تبعاً للتشبيه).
يعتبر عون، كما تقول الاوساط، أنّ التسوية الرئاسية قائمة، ويترك للرئيس الحريري أن يضع حّداً لها إذا أراد، لكنه مستمرّ في تلقّي الاقتراحات، من دون الاعتراف بالمكاسب المضخّمة التي يريد كل من جنبلاط وجعجع تحقيقها على حساب العهد. وعن جنبلاط، تقول الأوساط نفسها، أنه «لا يمتلك كل التمثيل الدرزي ولو كان الامر كذلك لخسر النائب طلال ارسلان في الانتخابات». وتضيف: «إذا كان جنبلاط يريد تعزيز زعامته الحصرية في الطائفة الدرزية، فليس الرئيس عون مسؤولاً أو مكلّفاً تحقيق رغباته، وعليه أن يعرف أنّ أسلوب تأليف الحكومات وتوازناتها في التسعينات قد تغيّر، فهناك الآن رئيس جمهورية لا تمرّ الحكومة إلّا بتوقيعه الذي سيستعمل مفاعيله الدستورية كاملة، وعليه أن يعرف أنّ هناك توازنات جديدة، كذلك على «القوات اللبنانية» التي نقضت «اتّفاق معراب» أن تتذكر أنها نالت اربعة وزراء في الحكومة السابقة خلافاً لمعايير التأليف، فلتفكّر بتسوية خارج توقعاتها المتفائلة بنيل حقيبة سيادية أو موقع نائب رئيس الحكومة». وتختم بالقول: «مَن ينتظر يرَ».