بدأ "النظام الخامنئي" يئنّ من الألم في معركة "العضّ على الاصابع" مع الولايات المتحدة الاميركية. لم يقع قتيل او جريح في المعركة، ويسعى الطرفان الأميركي والايراني الى تجنّب المواجهة حتى في الحروب بالوكالة التي يخوضانها، رغم ذلك سقط الريال الايراني "جريحاً" ويبدو حتى الآن ان إصابته خطيرة جداً وليست سطحية. الانهيار السريع والضخم للريال بدأ يفعل فعله خصوصاً وأنه رغم التهديدات الى درجة أن من يلعب بالأسواق وبالمال هو "مفسد في الارض" الذي حُكمه الإعدام دون مجال للتخفيف او المراجعة. رغم هذا، فإن الانهيار مستمر، ويبدو انه لن يتوقف.
علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى وشقيق رئيس القضاء، يبدو انه يئس من الحل الداخلي، اتهم "اجهزة استخبارات اجنبية باستهداف الوضع الاقتصادي". اذن، الحرب المالية مستمرة وانهيار الريال لم يصل بعد الى القعر، لذلك سيتدحرج أكثر فأكثر. تماماً كما حصل مع الاتحاد السوفياتي، تشدّد واتهامات في الداخل وإنفاقات عسكرية متضخمة أكثر فأكثر. حروب ايران بالوكالة تتمدد من سوريا الى اليمن، والإنفاق على "الحرس الثوري" لم يعد له سقف.
"النظام الخامنئي" يُدرك حالياً عمق الأزمة ومخاطرها، لذلك رغم كل الخطب والتصريحات المعادية للولايات المتحدة الاميركية، فإنه مستمر في التفاوض معها عبر سلطنة عُمان. نفي الناطق الرسمي الايراني بهرام قاسمي للمفاوضات، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية العُماني لواشنطن لم يُقنع احداً. قاسمي أكد عدم إمكانية وقوع حرب مع الاميركيين في معرض نفيه للمفاوضات.
لاول مرة في مسيرة النظام طوال ثلاثة عقود، يلجأ الى الاعتدال في الداخل بدلاً من التشدد كما كان يحصل سابقاً. تسريب خبر الموافقة مع انتظار توقيع المرشد آية الله علي خامنئي على قرار رفع الإقامة الجبرية منذ ثماني سنوات عن الزعيمين الإصلاحيين الشيخ مهدي كروبي ومير حسين موسوي، محاولة لاعادة لحم الوحدة الوطنية في الداخل وأمام الخارج. ويتم العمل كما يسرّب الى رفع الحظر عن الرئيس الاصلاحي الأسبق محمد خاتمي من الظهور الشعبي والتصريح. السؤال الكبير: ما هو الثمن الذي سيدفعه المرشد للزعماء الثلاثة الذين رفضوا تقديم اي تنازل رغم سنوات العزلة؟ وهل يكفي ان يقول لهم ايران في خطر؟ ولماذا لم يتحرك قبل الآن علماً ان كروبي وجّه له كتاباً مفتوحاً في مطلع العام طالبه فيه "بأن يتحمل المسؤولية عن الصعوبات الاقتصادية"، ولا شك في أن المرشد سمع هتافات المحتشدين في المهرجانات الانتخابية للإصلاحيين المنادية "لا غزة ولا لبنان نحن نحب ايران" ولم يحرك ساكناً، وتابع سياسته ونهجه حتى لم يعد ذلك مقبولاً، الى درجة تشريع موقف الرئيس دونالد ترامب بضرورة تغيير الاتفاق النووي وكل ما استتبعه من تمدد خارجي وتضخم التصنيع الصاروخي.
التيار المتشدد يُدرك ان النظام في خطر وأنه سيدفع ثمن ذلك، لذا ذهب بعيداً في تحذيراته. آية الله مصباح يزدي الذي هو في الأساس غير مقتنع بولاية الفقيه، لكنه عندما وجد نفسه في خطر قبَّل قدم المرشد حتى يستعيد رضاه، عمد الى القول: "ان الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه يتضاءل وبعض المسؤولين وآخرين في قم يعارضونه"، السؤال المطروح: ما هو العمل لاستعادة الإيمان بولاية الفقيه في وقت مسألة خلافة خامنئي مفتوحة بحكم الواقع، وليس فقط بحكم القضاء والقدر؟
كثيرون من الايرانيين يرون أن معالجة النظام للوضع ملحّة لأن وضع إيران كلها هو كما كانت عندما وصل الامام الخميني الى باريس وقال: "سنقاتل حتى يغرق السيف في الدم"، اي الخيار بين انسحاب الشاه او الغرق في مواجهة تقود الى حرب أهلية، يوم ذاك اختار الشاه سلامة ايران على عرشه فانسحب ولم يعد. السؤال: هل يعمد المرشد بعد ثلاثين عاماً من السلطة المطلقة الى اختيار إنقاذ ايران وهي مهمة ما زال قادراً على تنفيذها بسرعة وقبل فوات الاوان؟. الخطوة الاولى هي في ضم الأجنحة وتنفيذ سياسة اصلاحية حقيقية توقف تدحرج "كرة الفساد" التي استنزفت أموال ايران والعراق المنقولة الى الخارج والموزعة بين مصارف لندن والبرازيل، ولملمة الإنفاق العسكري والخارجي، ووضع حد لتمدد جنرالات "الحرس الثوري" في السلطة والاقتصاد...
البديل لكل ذلك، ما كان يحذّر منه ايرانيون وخبراء من "سورنة" ايران، التي متى بدأت لن تنتهي سوى بحمّام دم، ما جرى في سوريا لا شيء أمامه، لان قوى كثيرة تتمنى هذه اللحظة وما العمليات المسلحة الاخيرة في المثلث القومي ـ السني الذي يجمع الاكراد والعرب والبلوش سوى استطلاع بالنار...