يقول المثل الشعبي "نيّال اللي عندو مرقد عنزة بجبل لبنان"... ويقول واقع الحال اللبناني "نيّال اللي عندو واسطة بمؤسسة كهربا لبنان".
بعد عشرات السنوات من الوعود الكاذبة بتأمين الكهرباء للبنانيين 24 على 24، وتراكم الأحداث التي أثبتت عكس ذلك، تعايشَ اللبناني مع سوء التغذية الكهربائية، لدرجة التخدّر، وباتت تمرّ عليه ساعات التقنين القاسية وكأنها غيمة صيفٍ عابرة. ونظّم دفعاته بما يتوافق مع فاتورة الكهرباء البديلة التي تلهب جيبه لا سيما في أشهر الصيف الحارة. لكن ما لا يعلمه هذا المواطن أن العتمة التي تفرضها الدولة الكريمة على يومياته استنسابية تحمل في طياتها أرقاماً تجاوزت الدستور ومساواته وأخذت من معيار "السمنة والزيت" مبدأً لها.
توضح جولة استقصائية قام بها "ليبانون ديبايت" تفاوت ساعات التغذية بين المناطق، ويصل هذا الفارق إلى 18 ساعة في بعض المناطق.
وإن كان اللبناني قد رضيَ بتمييز بيروت الإدارية بـ21 ساعة تغذية على اعتبارها العاصمة وواجهة البلد، وتضم العدد الأكبر من الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة، ورضي بالتفرّج على تجربة زحلة الرائدة في خصخصة الكهرباء ونجاحها بتأمين الكهرباء 24 على 24، والاكتفاء بالتحسّر من دون المطالبة بتعميمها على مناطقه الغارقة بالعتمة، فكيف له أن يرضى بـ 24 ساعة تغذية لمنطقة عرمون، و18 ساعة لجزين، و18 ساعة لإقليم الخروب، و16 ساعة للشوف، و17 ساعة لكسروان، و16 ساعة للضنية؟ بينما لا تتجاوز ساعات التغذية في كلٍ من صيدا، وبعلبك الهرمل، والضاحية الجنوبية، والمتن 12 ساعة، وهو المعدل العام في لبنان. وتنخفض هذه التغذية في بعض مناطق الجنوب إلى 8 ساعات، وتصل إلى 6 ساعات في النبطية بحجة عدم تحمّل الكابلات ساعات تغذية إضافية لأن المحول الرئيسي في كفررمان يغذي قضاء النبطية كاملاً ويتحمل ضغطاً كهربائياً هائلاً.
وبعد محاولات عدة باءت بالفشل للتواصل مع مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ومستشارته الإعلامية ماري طوق، لمعرفة أسباب زيادة التغذية في المناطق سابقة الذكر، توضح مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان أن عرمون ومحيط الناعمة تتغذيان بالكهرباء المولدة من منشآت لتوليد الطاقة من غاز الميثان المنبعث من مطمر الناعمة. وجزين تستفيد من السد الذي تم إنشاءه على نهر جون لتوليد الطاقة منذ الانتداب الفرنسي.
أما إقليم الخروب زادت ساعات التغذية فيها تلبية لشروط رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بمنح الإقليم ساعات كهرباء إضافية مقابل استقبال الباخرة التركية الثالثة لتوليد الطاقة الكهربائية في معامل الجية. وجاء قرار جنبلاط بعدما رفض في البداية ضمها إلى معامل الجيّة لأسباب بيئية، ما جعل النائب محمد رعد يقترح نقلها إلى معمل الزهراني، فوافقت وزارة الطاقة، الأمر الذي دفع جنبلاط إلى تقديم عرضه مستغلاً الفرصة لإنارة المنطقة.
ويعيد النائب السابق محمد قباني رئيس لجنة الطاقة في المجلس النيابي السابق طوال السنوات الماضية، هذه الاستنسابية لأسباب قانونية أحيانا كوجود وزارة مهمة في إحدى المناطق. وعن باقي التمييزات يقول قباني في حديثه لـ"ليبانون ديبايت": "تحصل لأسباب سياسية تدخل فيها الوساطات والتنفيعات"، ويؤكد أننا "لسنا في دولة منتظمة تحترم القوانين والقواعد، فالبلد فالِت بكل بساطة".
يضع "ليبانون ديبايت" هذه الأرقام برسم مؤسسة كهرباء لبنان المُطالَبة اليوم بتوضيح تمييزها الفاضح بين منطقة وأخرى، ويعتبر ما سبق ذكره من أرقام بمثابة إخبار للنيابة العامة يجب التحرّك السريع تجاهه لما فيه من مخالفة صريحة للمادة 7 من الدستور اللبناني التي تنص على أن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم".