تحولت جمهورية آذربيجان خلال السنوات القليلة الماضية إلى محطة جاذبة للسواح العرب والخليجيين بشكل خاص، فبالإضافة لطبيعتها الخلابة وتوفر البنية التحتية المتطورة وبعدها عن صخب مناطق الاصطياف المعتادة التي تتلوث بالعابثين والمتصيدين، يمتاز أفراد المجتمع الآذري بالهدوء والأمانة والتسامح مما يجعل زيارتها والتنقل فيها أمرا مريحا للسائح.
هذا البلد الذي يختزن ثروات وموارد طبيعية كثيرة كان دوما منطقة تنافس وصراعات بين القوى الاقليمية المتنفذة كروسيا القيصرية والعثمانيين والصفويين وأخيرا من الاتحاد السوفيتي. لكنه منذ أن استقل من الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، نهج في بناء الدولة على النمط الغربي والسوق الحرة والنهج الديمقراطي، وحقق نموا اقتصاديا جيدا بكل سلاسة واقتدار حيث تحولت من دولة مقترضة إلى دولة مانحة خلال عقدين من الزمن.
وعلى الرغم من التنوع القومي والديني والمذهبي في آذربيجان، إلا أنالزائر لا يكاد يميز بين أتباع أي من القوميات أو الأديان والمذاهب لا من ناحية السلوك والممارسة ولا من ناحية الفكر والتعبير. ويبلغ نسبة المسلمين فيها 95%،والمتبقي منَ المسيحيين الأرمن (2،3%)، والأرثوذوكس الروس (2،5%)، والمذهب الصغير كريسنا ذي الأصول الهندية، وتبلغ نسبة التعليم في آذربيجان حوالي 97%.
وبسبب التأثر من حكم الشيوعيين سابقا والنظام العلماني للدولة بعد ذلك، فإن الدين والمعتقد ليس لهما أي دور ملحوظ في العلاقات الاجتماعية العامة، إضافة إلى صرامة الأنظمة والقوانين التي تقف أمام أي إثارات أو تحريض ديني أو مذهبي. المجتمع أيضا يمارس حياته العامة دون تأثير واضح للدين فيها من ناحية المظاهر في الملبس أو غيره، والتعليم العام لا يوجد فيه مناهج تعليم دينية بل تتوفر في الجوامع والكنائس والمراكز الدينية.
الملفت في الحالة الآذربيجانية مستوى القبول بالآخر واتساع مساحة التسامح بين أتباع الأديان والمذاهب وعلى الصعيد الشعبي فيها، ففي جامع حيدر عليوف مثلا الذي يقع في مدينة باكو – وهو أكبر مساجد القوقاز –يتناوب على إمامة صلاة الجمعة كل أسبوع إمام سني وآخر شيعي، ويجتمع فيه المسلمون من مختلف مذاهبهم في كل الصلوات. وهذا ينطبق على معظم الجوامع والمساجد في مختلف مناطق البلاد، كما أن العادات والمراسم المتبعة في دفن الأموات مثلا لا تجد فيها فرق بين المسلمين ومقابرهم واحدة.
وعلى الرغم من الاجراءات المتشددة التي تتخذها الحكومة ضد بروز المظاهر الدينية في المجتمع بشكل عام أو تشكيل جماعات وأحزاب على خلفية دينية، إلا أن توجهات الاسلاميين تتسم بالاعتدال والمطالبة السلمية بالمزيد من الحريات الدينية وعدم تقييدها. هذه التجربة الاجتماعية الفريدة بحاجة الى المزيد من الدراسة والتأمل لمعرفة حدود الدين في الحياة الاجتماعية والسياسية العامة بصورة تختلف عما ألفناه في منطقتنا العربية، ولعل فيها تجربة واعدة للتمازج الايجابي والمعتدل بين الدين والحياة العامة بطريقة تركز على تعزيز مساحة التسامح والتآلف في المجتمعات بدلا من التركيز على أوجه الخلاف داخلها.