دخل البنك الدولي على خط تأليف الحكومة الجديدة، وإن من الباب الاقتصادي الذي وصفه نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج «بالدقيق» معرباً عن قلقه على الوضع الاقتصادي، مجدداً الثقة بعد لقاء الرؤساء الثلاثة ووزير المال علي حسن خليل، بأن تشكيل الحكومة سيحل في أقرب وقت.
وفي الشق الاقتصادي والمالي، حسب المعلومات، جرى البحث في الإصلاحات التي التزم بها لبنان في مؤتمر سيدر، فضلاً عن المساعدات التي يمكن ان يقدمها البنك للبنان، في إشارة إلى «وجود محفظة بقيمة ملياري دولار خصصها البنك الدولي يفترض الاستفادة منها وفقاً للأولويات التي تحددها الدولة اللبنانية».
حكومياً، لم يطرأ على التأليف الحكومي أي جديد، وعندما سئل الرئيس نبيه برّي عن العقدة العالقة التي تمنع التقدُّم، قال: عقدة! لا يوجد عقد.
وفي السياق، تخوف مصدر وزاري من ان تطول أزمة التأليف في ضوء توقف الاتصالات واضطرار الرئيس المكلف السفر إلى الخارج في إجازة عائلية بعد الأوّل من آب عيد الجيش.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ«اللواء» ان السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، خلال زيارته على الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية أبلغهم قلق وانزعاج الحكومة الفرنسية من تأخير تأليف الحكومة اللبنانية، مُعرباً عن تخوفه من انعكاسات سلبية على تنفيذ مقررات سيدر.
لا جديد
ومع دخول الشهر الثالث لتكليف الرئيس الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، لا تبدو الأجواء تُشير إلى قرب التأليف في ظل استمرار العقد والعراقيل على حالها، ولم تحمل الساعات الماضية أي جديد، علماً ان الأجواء كانت تُشير منتصف الأسبوع الماضي إلى إمكانية إزالة بعض العراقيل من طريق الرئيس المكلف، وان بداية الحلحلة باتت مرتقبة، لكن الأمور استمرت على حالها، ولم تسجل أي تطورات إيجابية على هذا الصعيد، ولم يتم إحراز اي تقدّم ملموس، بل بالعكس، فإن التفاؤل تلاشى، ولم يعقد أي لقاء مباشر بين الرئيس الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في ظل استمراره إطلاق المواقف التصعيدية، تارة بأنه ينتظر ما يمكن ان يطرحه الرئيس المكلف، وتارة بالتلويح بحكومة أكثرية، لا تعني سوى إلغاء تمثيل طرف بعينه، فيما يبدو ان العقد الأساسية ما تزال في الذروة، سواء على الصعيد المسيحي أو الدرزي أو حتى السني، وان اللقاء المنتظر بين الحريري وباسيل، من غير المأمول انعقاده ما دامت المواقف على حالها، من التشدّد والتصعيد.
واستغربت مصادر سياسية متابعة لعملية التأليف، عبر «اللواء» استمرار وضع العراقيل، عكس ما كان متوقعاً، متسائلة عن المستفيد من استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه؟ وما هو الهدف من المماطلة؟ خصوصاً وأن الرئيس الحريري منفتح على التعاطي والتواصل بكل إيجابية مع جميع الفرقاء من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة لإنجاح ولادة الحكومة، في أسرع وقت ممكن، ولكن مع الأسف، لا يظهر في الافق ما يدل على حصول تقدّم سريع أو قريب للموضوع الحكومي، بما يؤشر إلى ان عملية التأليف قد تأخذ معها كل فصل الصيف.
وأكدت المصادر على ان كل المؤشرات الراهنة تُشير إلى انه لم يعد هناك من وقت لاضاعته، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي يشهد تعثراً وصعوبة يوماً بعد آخر، في ظل تفاقم الازمات وتعطيل مصالح المواطنين من جرّاء تأخير تشكيل الحكومة.
ولفت الانتباه على هذا الصعيد أمس، الجولة التي قام بها وفد البنك الدولي برئاسة نائب رئيس المجموعة فؤاد بلحاج إلى الرؤساء الثلاثة ووزير المال، حيث كان تأكيد من قبل الوفد الدولي على أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الصعيد الاقتصادي، وعلى ضرورة قيام لبنان بالاصلاحات المطلوبة والضرورية منه، خصوصاً وأن الأوضاع الاقتصادية دقيقة لا سيما وان هناك مشاريع أساسية حيوية وذات منفعة قصوى مدرجة على أجندة البنك الدولي، وهو في صدد تنفيذها، لكنها تحتاج إلى بعض الإجراءات التي لا بدّ من اتخاذها، وبالتالي اقرارها من قبل مجلسي الوزراء والنواب.
ولفت بلحاج إلى وجود محفظة بقيمة ملياري دولار خصصها البنك الدولي للبنان يفترض الاستفادة منها وفق الأولويات التي تحددها الدولة اللبنانية، مرحباً بالاصلاحات التي يحققها لبنان سياسياً واقتصادياً والتي من شأنها تعزيز الثقة الدولية بلبنان.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان رقعة التباينات بين الأطراف مرشحة لمزيد من التوسع في الأيام المقبلة، قد تجعل ولادة الحكومة من المستحيلات إذا لم يتم تداركها سريعاً، بتدخل صريح من الرئيس ميشال عون، بدل إعلان كل فريق ان الطابة ليست في ملعبه، وغسل يديه من العرقلة، ورميها على الأطراف الأخرى، وإلا ما المعنى من مطالبة الرئيس المكلف بوضع «معايير» محددة للتأليف، طالما ان هذه المعايير لا أسس دستورية لها، أو الإصرار مثلاً على الاحتفاظ بحقائب معينة، أو التلويح بحكومة أكثرية سبق ان رفضها الرئيس الحريري، ومعه معظم القوى السياسية، باستثناء «التيار الوطني الحر».
ونقل عن مصادر متابعة تأكيدها بأن حكومة الأكثرية هي خيار العهد القوي في حال استمرار المراوحة، وقالت ان الرئيس عون يؤيد حكومة أكثرية لتفعيل المحاسبة والحياة البرلمانية، ولن يوقع مراسيم حكومة لا تراعي الاحجام الفعلية للكتل النيابية، وخلصت إلى ان هناك تفاؤلاً رئاسياً بولادة الحكومة الأسبوع المقبل، فيما نسبت محطة NBN الناطقة بلسان حركة «أمل» إلى مصادر مواكبة قولها ان الاتصالات لتأليف الحكومة لم تتوقف، وهناك توجه لوضع معيار واحد للتمثيل في الحكومة يتم على أساسه توزيع الحصص، وسيناقش الرئيسان عون والحريري في ضوئه تشكيلة جديدة وفق هذا المعيار خلال الساعات المقبلة.
وبحسب المعلومات، فإن هذه الاتصالات يقوم بها الوزير غطاس خوري مع الوزير السابق إلياس بو صعب، اللذين التقيا أكثر من مرّة من دون التوصّل إلى تفاهم حول العقدتين المسيحية والدرزية، على اعتبار ان بو صعب ما زال يعتقد ان العقدة الدرزية هي العقدة الأساسية، وعندما تُحل تحل سائر العقد، فيما ذهب عضو «تكتل لبنان القوي» النائب آلان عون أبعد من ذلك، عندما رأى ان من واجب الرئيس المكلف ان يطرح تشكيلة حكومية ويفاوض الأفرقاء ويأخذ الالتزامات منهم، مشدداً على ان الموضوع ليس عن أي عقدة يجب فكها قبل الأخرى.
وقال: «ما يعنينا في لقائنا مع الحريري ان يطبق معياراً واحداً معنا كما مع غيرنا، لافتاً إلى ان تياره يفضل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن بين لا حكومة وأخرى أكثرية نختار حكومة اكثرية».
الى ذلك، افادت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان الساعات الثماني والاربعين المقبلة قد تحمل معها تطورات على صعيد ملف الحكومة بما يراعي الاعتبار لرغبة الرئيسين عون والحريري في انهاء الملف.
واوضحت ان اطلاق تشكيل الحكومة سيتم وفق التفاهم بينهما حول المعايير النهائية التي يتم وضعها من اجل تشكيل الحكومة. ورأت ان الانطباع الذي ساد بان الامور توقفت غير صحيح لأنها تعثرت ولم تتوقف. واكدت ان هناك عملا يجري اما سبب التعثر فمرده الى مطالب الكتل والشروط معتبرة ان الامور تأخد منحى افضل والاتصالات ستعود في الساعات المقبلة.
واعربت المصادر عن اعتقادها ان الصيغ والبدائل التي تمت الاشارة اليها ستخضع للبحث الان ورات ان العدد لا يزال ثلاثينيا وان المشكلة تكمن في الاعداد للكتل الممثلة وان وضع المعيار الواحد للكتل سواء كان حليفا او خصما هو المطلوب. ويجب ان يكون هناك معيار واحد للكتل منتفخة ام لا.
واشارت الى ان هناك تحريكا للملف بشكل اكثر فعالية وان الرئيس عون يساعد الرئيس المكلف.
واذ لم تستبعد ان يعقد لقاء بين الحريري والوزير باسيل فانها اوضحت ان ذلك قد يعني ان الحريري يزور بعبدا قريبا حاملا معه صيغة نهائية.
وكررت المصادر القول ان الصورة ليست سوداوية.
وفي المقابل، كشفت مصادر ان الحريري عرض على الرئيس عون في اجتماع بعبدا الأخير توزيع الحصص الوزارية داخل الحكومة وفق 3×10 على الشكل الآتي: حصة الرئيس والتيار الوطني 10 مقاعد(7 تيار+3 الرئيس) حصة الحريري والقوات 10 مقاعد (6 الحريري+4 القوات) حصة الثنائي الشيعي والاشتراكي والمرده 10 مقاعد (3 لحركة امل+3 لحزب الله+3 لجنبلاط+1 للمردة)... ولفتت المصادر الى ان الحريري قدم هذا التوزيع الذي لا يعطي اي فريق ثلثا معطلا في الحكومة، ولمّح الى امكانية توسّطه لحل العقدة الدرزية عبر اختيار احد الوزراء الدروز مع النائب السابق وليد جنبلاط بما يحول دون استحصال المكون «الاشتراكي» على قدرة سحب الغطاء الميثاقي عن الحكومة مستقبلا، الا انه فوجئ برفض الفريق الآخر مناقشة هذه الصيغة، بدليل عدم حصول اللقاء الذي كان منتظرا بينه والوزير باسيل.
واذ تشير الى ان هذا التعثر قد يدفع الحريري الى طرح حكومة من 24 او حكومة تكنوقراط، توضح ان الاخير لن يرضخ للضغوط وهو سيواصل مساعيه للتأليف ضمن 3 ثوابت: لا معيار الا الدستور، لا اثلاث معطلة، ولا حكومة أكثرية بل وحدة وطنية.
اللجان النيابية
على صعيد اخر، وجه الرئيس نبيه برّي أمس دعوة للجان النيابية المشتركة لعقد جلسة في العاشرة والنصف من قبل ظهر الخميس المقبل، لاستكمال درس مشاريع واقتراحات قوانين أبرزها اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني واقتراح قانون يرمي إلى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز.
ويتوقع ان تشهد الجلسة نقاشات حادّة على غرار ما حصل في الجلسة السابقة حول ملف النفايات، أدّت إلى انسحاب نواب حزب الكتائب والنائب بولا يعقوبيان، خاصة في ما يتعلق باقتراح الصندوق السيادي، أو مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، حيث سيكون لنواب «تكتل لبنان القوي» مداخلات في هذا المجال، على اعتبار ان هذا الملف يعنيهم قبل غيرهم، في ظل مطالبتهم بابقاء حقيبة وزارة الطاقة في يدهم.
ومن جهة ثانية، أكدت مصادر الرئيس بري لقناة الـ«MTV» ان «كل ما يقال عن دعوة بري لجلسة تشريعية غير دقيق ولكن من حقه الدعوة لهذه الجلسة لأن التشريع حق في ظل حكومة لتصريف الاعمال وحق يؤكد عليه الدستور».
ولفتت إلى أن «بري لن يستخدم ورقة التشريع في الوقت الحالي ولكن لا تنفي حقه في الدعوة لجلسة تشريعية».
ملف النازحين
وعلى خط موازٍ، وبرغم الانشغال الداخلي بالموضوع الحكومي، فلا زال الاتفاق الروسي- الاميركي حول اعادة النازحين السوريين بشكل كامل الى قراهم وبلداتهم - وعددهم نحو سبعة ملايين سوري - يرخي بظلاله على التحرك الرسمي اللبناني من باب المتابعة للاتصالات الروسية الجارية بهذا الخصوص، وعلى اي تحرك سياسي يتعلق بالازمة السورية، حيث اثير في هذا اجتماعات آستانة الجارية في العاصمة الكازاخية من ضمن البحث عن الحل السياسي الشامل للأزمة السورية.
وذكرت مصادر رسمية لبنانية متابعة للموضوع لـ«اللواء»، انه من المفترض ان يكون لبنان من الدول المتابعة للاجتماع المقرر بين الجانب الروسي وبين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والذي سيبحث في كل تفاصيل عملية اعادة النازحين، كون الاتفاق يحظى ايضا برعاية الامم المتحدة عبر المفوضية العليا الدولية، حيث يفترض ان تطلب مفوضية اللاجئين من الجانب الروسي اولاً ضمانات كافية لعودة آمنة للنازحين، موضحة ان الضمانات تتعلق بعدم توقيف اي عائد لأسباب سياسية او بسبب انتمائه السياسي، وعدم مصادرة اراضي العائدين، وعدم فرض الخدمة العسكرية عليهم.
واضافت المصادر: ان الجانب الاخر من البحث سيتناول موضوع تمويل العودة ماليا لأن جزءا اساسيا منها يتعلق بإعادة اعمار قرى وبلدات العائدين، وان الجميع ينتظر موافقة اميركا واوربا على المساهمة في التمويل وهو امر لم يتضح بعد من الجانبين الاميركي والاوروبي، علما ان الاميركي تعهد بذلك ووعد بأنه سيطلب - إن لم يكن قد طلب فعلا - من اوروبا المساهمة.
وأشارت المصادر الى ان عملية اعادة النازحين ليست بالامر اليسير فلها مستلزمات سياسية ودبلوماسية وتقنية ولوجستية ومالية، وتحتاج الى اتصالات مع العديد من دول العالم لتوفير الضمانات المطلوبة والدعم المالي للعودة ولذلك ستأخذ وقتها.