جميلة هي الموروثات الشعبية، بالخصوص تلك التي تتعلّق بالمظاهر الطبيعية، فكلنا يعرف حكايات القدماء عن خسوف القمر والحوت الذي يحاول أكله لولا تدّخلنا نحن البشر وانقاذه باللحظات الأخيرة .
جميل أن نعتقد بأننا نحن البشر نساهم بالحفاظ على كوكبنا ولو من خلال القرع على الطبول أو على التنك أو على ما تيسر، فنطرد الحوت اللعين تاركا خلفه القمر المسكين ليعود من جديد إلى مكانه وسطوعه الجميل فيتغنّى به الشعراء ويتسامر مع العشاق وتستمر الحياة بروعتها .
بغضّ النظر عن تاريخية هذه الخرافة الجميلة والقصص الكثيرة التي سيقت اليها ومدى صحتها، من محاولة ذلك العالم الفلكي إيقاظ الملك ليرى الخسوف حتى ينفد بريشه، أو ما قيل عن فينيقية رواية الحوت وغير ذلك الكثير، يبقى أن المشترك بينها هو مسؤولية الإنسان ودوره في إنقاذ القمر وبقاء الحياة .
بالأمس، حصل الخسوف الدموي، وجميعنا أو معظمنا راقبناه وتلذّذنا بمشهده الرائع وتحوّله إلى الحمرة، وتنقّلت أبصارنا بين النظر المباشر عن بُعد، أو المتابعة عبر مواقع الإنترنت من خلال هواتفنا الذكية وشاشات التلفزة .
وبالرغم من إقتراب الصورة ووضوحها ودقتها، إلا أن الشعور المزعج بالعجز مرة وبالحيادية أمام ظاهرة طبيعية مرة أخرى، خلقت لدينا إحساس بالضعف والهوان، فقمرنا يتعرّض لعملية " سرقة " أمام أعيننا ولا حيلة لدينا إلا الإنتظار والترقب .
إحساس هو أقرب إلى الخيانة من أي شي آخر، فالقمر قمرنا وعلى عواتقنا مسؤولية حمايته ولو إفتراضياً أو عن وهم ، هذا العجز جعلنا نصدّق ولو ضمنياً إدعاء ذلك الشيخ جواد ابراهيم وتوقعاته بحدوث زلزال عالمي لا يُبقي ولا يذر، وكثر منا أزاحوا كل معارفهم الحديثة وما زودنا به العلم وانتظروا حدث ما بمكان ما .
أنا شخصياً شعرت بالأمس إلى حنين لتلك الخرافات، فليس كل خرافة هي أمر سلبي يجب رفضها، على الأقل فإن بعضها يُعطيك شيء من الشعور بالتفوّق الإنساني ويحفظ لك دورك بما يجري حولك، ويحول دون إحساسك بالوهن والهشاشة .
بالخصوص نحن اللبنانيون المشبعون بهذا الإحساس المقيت أمام طبقة سياسية تسلب كل يوم ثرواتنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا دون أن نُحرّك ساكناً، فكم نحن بحاجة الى خرافة وطنية هذه المرة تقول لنا بأن خلاص وطننا هي بالنزول إلى الشارع لقرع الطبول وعلى التنك أمام منازل المسؤولين ونصرخ في وجوههم : إترك وطنا يا حوت .