في ختام ما يمكن وصفه «بالويك اند» الروسي استراحت التوقعات والتكهنات حول الحكومة، وعاد الرؤساء والمستوزرون إلى الهدوء، فيما بقيت في الواجهة المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، على ان تبدأ الخطوات العملية بعد تلقي الأجوبة العربية والدولية من بيروت وعمان ودمشق وأنقرة وواشنطن والدول المانحة والمفوضية السامية للاجئين.
وإذا كانت الحكومة تنتظر مزيداً من المشاورات في ضوء التوجه لتوحيد المعايير، والاستفادة من الفرصة الدولية المؤاتية لإعادة النازحين، وتوفير ما يلزم من دعم للحفاظ على استقرار لبنان، بما في ذلك تسريع تشكيل حكومة وحدة وطنية، كان الرئيس المكلف، يعقد اجتماعاً مطولاً في بيت الوسط مع الفريق الاستشاري لشركة ماكينزي في حضور وزير الاقتصاد والتجارة والفريق الاقتصادي للرئيس الحريري ضمن ورشة عمل كبيرة تحدّد هدف تحرك القطاعات والتحوُّل إلى خارطة طريق انتاجية بعد تشكيل الحكومة..
وكشف مصدر مطلع ان اختراقاً حصل في اجتماع الأربعاء الماضي، في ما خص توزيع الحقائب على الكتل..
واعتبر المصدر انه في حال استمرت الإيجابية، فإنه في ضوء الاجتماع بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل، فإن مسألة ولادة الحكومة ستكون مسألة أيام..
لقاء الحريري - باسيل
ولم يتأكد ما إذا كان اللقاء المرتقب بين الرئيس الحريري والوزير باسيل الذي عاد إلى بيروت أمس من زيارة واشنطن، قد حصل فعلاً في «بيت الوسط» بحسب ما تردّد في المعلومات المتداولة، فيما استمرت المراوحة عند ما تسرب عن صيغة قدمها الحريري الى الرئيس ميشال عون حول الحصص الوزارية للاطراف فوافق عليها من حيث المبدأ مع بعض التعديلات، على ان يتم البحث بين الحريري وباسيل في توزيع الحقائب. لذلك ترمي القوى السياسية عقدة التأخير الى ملعب باسيل، في حين قالت مصادر التيار الحر ان رئيسه لم يعد يتدخل في حصص الاخرين بل طرح مطالب التيار والعهد معا.
ولم تستبعد مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان يكون اللقاء حصل بعيداً عن الإعلام، طالما ان الاتجاه الغالب لدى المعنيين بتأليف الحكومة هو عقد لقاءات بعيداً عن الأضواء من أجل البحث عن حل العقد الحكومية.
وقالت هذه المصادر ان تطورات الملف الحكومي تنتظر استكمال مشاورات الرئيس الحريري الذي لن يتردد في تقديم تشكيلة حكومية بصيغة غير نهائية، متى عولجت العقد الحكومية، مشيرة إلى ان الجو الجيد الذي عكسه لقاء عون - الحريري في بعبدا قبل أيام لا يمكن ان يميل نحو أي اتجاه سلبي، خصوصاً وانهما لا يريدان ان تعود الأمور إلى الوراء.
 وفي حين ترددت معلومات عن مطالبة باسيل بإحدى عشرة حقيبة للتيار وللرئيس عون، فإن مصادر نيابية في اللقاء الديموقراطي ذكرت ان التيار سيحصل على عشر حقائب بعد تعذر توزير الامير طلال ارسلان، وانه جرى التفاهم بين عون والحريري على منح «القوات اللبنانية» أربع حقائب بينها اثنتان اساسيتان بعد تعذر منحها وزارة الدفاع كحقيبة سيادية، وثلاث حقائب للقاء الديموقراطي من الطائفة الدرزية، اما منصب نائب رئيس الحكومة فالمرجح ان يكون من حصة رئيس الجمهورية، وان يكون من نصيب نجاد عصام فارس. ولكن برزت مخاوف من خلاف جديد قد يقع حول توزيع الحقائب بعد التفاهم على الحصص.
وفيما لم يتأكد ما اذا كانت «القوات اللبنانية» قد وافقت فعلا على اربع حقائب فقط، حيث ذكرت بعض المصادر انها لو وافقت على اربع حقائب فانها متمسكة اما بحقيبة سيادية واما بمنصب نائب رئيس الحكومة، لم يشأ نائب رئيس الحكومة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال غسّان حاصباني الكشف صراحة عن موقف «القوات» من هذا الطرح، الا انه نفى ان تكون مطالب «القوات» تُعرّقل تشكيل الحكومة، مشيراً، بعد زيارته لبكركي أمس، إلى ان القوات وضعت طروحاتها بشكل واضح جداً للمشاركة في هذه الحكومة، ونحن ندعو من مبدأ الشراكة الفعلية وليس من مبدأ المحاصصة، إلى تأليف حكومة مشاركة وطنية تمثل تطلعات الجميع وتمثل أيضاً المكونات باحجامها الحقيقية التي نتجت عن الانتخابات. ولفت إلى ان مبدأ المشاركة ان يكون هناك وجود وازن وفاعل يمثل ما أوكل به المواطن اللبناني الفئات المختلفة ومنها «القوات اللبنانية».
جنبلاط: لا تنازل
وأشارت مصادر اشتراكية إلى ان رئيس الحزب وليد جنبلاط، لن يقبل بأي تنازل عن حصته الدرزية بعد ما جرى في مجزرة السويداء، فيما أعلن عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب فيصل الصايغ ان ما يتردد عن إعطاء وزيرين درزيين للاشتراكي وآخر مسيحي ليس صحيحاً، مؤكداً على مطلب الاشتراكي الثابت بثلاثة وزراء دروز، مشيراً إلى ان الرئيس الحريري ما زال على موقفه من هذا الموضوع، وهذا ما طرحه على الرئيس عون خلال زياراته إلى بعبدا، وان الرئيس كان ايجابياً، لكنه حول موضوع الحقائب إلى باسيل.
وكان جنبلاط، أكّد في كلمة له خلال وقفة تضامنية ومشاركة مع أبناء جبل العرب بدعوة من مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في عبيه، ان ما حصل في جبل العرب جريمة بحق أهلنا، واستمرار لما حدث عام 2015 عندما اغتالوا الشيخ وحيد البلعوس الذي رفض الخدمة العسكرية للشباب العربي الدرزي في الجيش السوري كي لا يذهبوا إلى جبهات القتال، معتبراً ان الأسد يريد تطويع أهل الجبل بالقوة وأخذ 50 ألف شاب درزي للمعركة القادمة في ادلب، متسائلاً: «لماذا بقي تنظيم «داعش» في بعض مناطق الشام، ولماذا اسراب الطيران المتعددة الأميركية والروسية لم تر تلك التجمعات التي فجأة اقتادها النظام خلسة وانقضت على جبل العرب؟».
ودعا جنبلاط روسيا لتقديم ضمان لأجل الجبل، وان يبقوا في الجبل، وان لا يستخدمهم بشار الأسد وقوداً من أجل مآربه الشخصية، خاتماً: «ليتني املك السلاح لاتوجه معكم للقتال إلى جانبكم يا أبناء جبل العرب».
ورد رئيس حزب التوحيد وئام وهاب على جنبلاط بالقول: أنا مستعد لتسليم السلاح لمن يريده للقتال في جبل العرب، وزار وهاب امس مدينة السويداء وشارك في تقديم التعازي بشهداء المجزرة، وقال لقناة «الميادين»: ان شيخ آلعقل في السويداء أبلغه أنه تلقى تهديدات من «داعش» قبل الهجوم، والجيش السوري ساهم بتسليح أبناء السويداء للدفاع عن مناطقهم.
المبادرة الروسية
في غضون ذلك، بقيت المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين في مواجهة الأحداث، بانتظار وصول الأجوبة الروسية على التساؤلات اللبنانية بالنسبة لترتيبات آلية العودة، مطلع الأسبوع المقبل، لكي يتخذ لبنان الرسمي من جانبه كامل الإجراءات على المستوى الداخلي.
وقد اعرب الرئيس عون عن أمله في ان تلقى المبادرة دعم الأمم المتحدة لوضع حدّ لمعاناة النازحين، لا سيما أولئك المنتشرين في المناطق اللبنانية، وأبلغ ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان بيرنيل كارديل ان لبنان رحب بالمبادرة الروسية التي تمّ التطرق إليها خلال قمّة هلسنكي من الرئيسين الروسي والاميركي وهي تؤمن عودة نحو 890 ألف سوري إلى بلادهم، وان لبنان سيشكل من جانبه لجنة للتنسيق مع المسؤولين الروس المكلفين لدرس التفاصيل التقنية المتعلقة بآلية العودة.
وفيما اعرب عون عن أمله في ان تحقق المبادرة الروسية عودة النازحين الموجودين في لبنان، لفت إلى ان الفقرة التي وردت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول النازحين السوريين، والذي قدم قبل أيام في نيويورك لم تعكس بدقة الموقف اللبناني الذي نادى دائماً بعودة طوعية وآمنة للنازحين. وطلب عون من كارديل إبلاغ الأمانة العامة للأمم المتحدة رغبة لبنان في التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب لولاية جديدة، من دون تغيير لا في مهامها ولا في عديدها.
وكانت كارديل نقلت أجواء المداولات التي تمت في مجلس الامن الدولي حول التقرير عن تنفيذ القرار 1701، مؤكدة ان الأمم المتحدة ملتزمة الشراكة العاملة مع لبنان للمحافظة على استقراره وابقائه بمنأى عن التطورات التي تجري في محيطه.
وإذا كان ملف النازحين بات عنصراً ضاغطاً بالمعنى الإيجابي على المعنيين بتأليف الحكومة، نظراً إلى ان الحاجة باتت ماسة لتأليف حكومة قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة على هذا النحو منذ قمّة هلسنكي، فإن المؤشرات المتأتية من المحادثات المكملة لقمة الرئيسين الأميركي والروسي توحي بأن مسار عودة النازحين وضع على السكة الصحيحة، وان الممانعات الإقليمية التي حالت سابقاً دون البحث حتى في العودة، قد انتفت نتيجة القرار الدولي الواضح في هذا الشأن، إلى جانب تلمس عواصم القرار المخاطر الناتجة عن استمرار مأساة النزوح، وهي بغالبيتها مخاطر أمنية وسياسية واجتماعية ضاغطة على النازحين وعلى الدول المضيفة على حدّ سواء.
وفيما لفتت مصادر دبلوماسية إلى ان هذا التطور الدولي المحلي سيشكل هو الآخر عنصر ضغط لمصلحة المنادين بإعادة العلاقة السياسية بين لبنان وسوريا، نظراً إلى ان عودة النازحين لا يمكن ان تتم من دون تنسيق يتعدى الشق الأمني، مثلما هو حاصل بواسطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، أكدت أوساط سياسية في الفريق المناهض لإعادة هذه العلاقة، ان كل ما تكشف عن الاجتماعات اللبنانية - الروسية أثبتت ان لا دور للنظام السوري الذي تنحصر العلاقة معه بموسكو، وكل كلام خلاف ذلك لا يمت إلى الواقع والحقيقة بصلة، ويدخل في إطار التهويل والتضليل، معتبرة ان كل المحاولات الجارية على خط التواصل المباشر مع سوريا من أي جهة أتت سيكون مصيرها الفشل.
وفي هذا المجال، شدّد وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي، على أن فتح قنوات اتصال مباشرة بين الحكومتين اللبنانية والسورية غير وارد بأي شكل، كاشفاً بأن هذا الموقف كرره الرئيس الحريري في اجتماعه أمس الأوّل مع الموفد الرئاسي الروسي أكثر من ست مرات على مسمع الوفد الروسي الذي تفهمه.
وتحدث عن ان اللجنة المكلفة التفاوض ستضع الخطة اللوجستية لتأمين العودة، بالتنسيق مع الجانب الروسي ستكون على مستوى أمني ولوجستي فقط