فيما دخل ملف تشكيل الحكومة في غيبوبة، لم يعد أحد على الأرجح يعرف موعد الاستفاقة منها بفعل تراكم التعقيدات المحيطة بواقع التأليف الذي يضاف اليه كل يوم مدماك جديد من العقد.
قفزت الى الواجهة سلسلة أزمات تبدو وظيفتها محددة في مجال الضغط على الرئيس المكلف سعد الحريري من اجل حمله على المضي بخيارات غير مقتنع بها على الارجح، وفي اول موقف له منذ عودته اشار الرئيس الحريري الى انه سيزور رئيس الجمهورية في بعبدا قريبا، لافتا الى انه يتابع اتصالاته بشأن تأليف الحكومة وقال: "لم اضع اي مهلة للتأليف ولست ملزما بها."ويصادف ذلك مع دخول أزمة التأليف الشهر الثالث. وتتسع هوّة المأزق وتتعمق .
لا أحد يعرف متى وكيف تتبدّل الصورة الطافية على سطحه: التكليف في الجيب والحكومة في الغيب. وليس من المفاجآت ان ترتفع أصوات المطالبين بانعكاس التطورات في سوريا، وأحدثها استعادة النظام لدرعا والقنيطرة، على صيغة الحكومة في لبنان. فالمقدمات كانت واضحة في الترشيحات ونتائج الانتخابات، بحيث يصعب تجاهل النهايات التي تقود اليها. والفصل الجديد في السيناريو ليس الانتقال من التركيز على الأحجام والأوزان والحصص الى التركيز على سياسة الحكومة العتيدة وموقع لبنان الاقليمي، فهذه أمور مترابطة، بل الاعلان ان الساعة دقّت لكشف الأوراق كلها.
ذلك ان التسليم بسياسة النأي بالنفس كان شكليا، وسط مشاركة حزب الله في حرب سوريا الى جانب النظام الذي وقفت معه قوى ٨ آذار مقابل وقوف قوى ١٤ آذار مع المعارضة. والمطالبة المتصاعدة بالخروج من النأي بالنفس الى التنسيق السياسي مع دمشق من دون انتظار أي تبدّل في موقف الجامعة العربية تطرح سؤالا على الجميع: هل كان النأي بالنفس عن أحداث سوريا وحدها أم عن صراع المحاور الاقليمية والذي لن ينتهي ولو انتهت حرب سوريا وحرب اليمن ومشاكل العراق؟ والسؤال الأكثر إحراجا هو: إلى أي حدّ يمكن، ونحن نرى بداية تفاهم روسي - أميركي في قمة هلسنكي على اخراج النفوذ الايراني من سوريا، تثبيت هذا النفوذ في لبنان وتكريسه رسميا؟
من خداع النفس ألا نرى الاشارات المعبّرة في كون الموضوع الواضح والثابت هو اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب على أمن اسرائيل.
ومن الصعب، بصرف النظر عن العداء لاسرائيل، ألا نلاحظ معنى أن يرسل بوتين وزير الخارجية سيرغي لافروف ورئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف الى اسرائيل في مهمة عاجلة هي ابلاغها التفاهم على إبعاد القوات الايرانية في سوريا مسافة مئة كيلومتر عن خط فك الارتباط في الجولان السوري المحتل. وكالعادة، فان العدو الاسرائيلي يطالب بما هو أكثر من العرض الروسي قائلا انه لا يكفي.
وكالعادة، فاننا نتجاهل ما بعد النجاح الروسي في ترتيب العودة بين سوريا واسرائيل الى ما كان عليه الوضع عام ٢٠١١، أي اتفاق فك الارتباط للعام ١٩٧٤ وقيوده.
الواضح، حتى إشعار آخر، أن الضغوط على الحريري تصطدم برفضه لأن يكون رئيس حكومة ايرانية - سورية. والمؤكد أن أخذ لبنان الى المحور الاقليمي الايراني مهمة مستحيلة وخطرة على الجميع في هذه المرحلة من الصراعات المصيرية.