"لا أنسى تصريحاً أدلى به بري أيام الحرب، ربما عام 1986 أو 1987 وأكد فيه أنّه مستعد أن يذهب مشياً على الاقدام الى دير القطّارة للاجتماع مع سمير جعجع إذا كان من شأن ذلك ان ينهيَ الحرب... منذ ذلك الحين شعرتُ بأنّ هناك كيمياء تربطني به، وحالياً لا تزال العلاقة على المنوال ذاته". قالها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في حديث صحفي، وهي الكيمياء التي ما عادت خفية على أحد على خط معراب ـ عين التينة. وإن كانت كيمياء الثمانينات لإنهاء حربٍ أهلية، فهل كيمياء 2018 لإشعال حربٍ سياسية كانت شرارتها الأولى حكومية؟
بدا واضحاً التقارب بين القوات وحركة أمل أخيراً، عبر حملات الحج الأسبوعية التي يقوم بها نواب القوات إلى عين التينة، وكانت بداياتها مع النائب زياد الحواط قبل أسابيع الذي اصبح ممثل الحزب في لقاء الأربعاء. يقول مرجع سياسي: "رأت القوات في أمل وتحديداً بالرئيس بري عوناً لها على التيار الوطني الحر في حرب الحقائب الحكومية، ورأى بري في القوات سنداً مسيحياً يجلّ ويحترم القيمة الوطنية التي يتمتع بها كرئيس لمجلس النواب فرض احترامه على كل من وافقه وخالفه الرأي إلا على الصهر المدلل للعهد النائب جبران باسيل".
ويعود المرجع بهذا التقارب إلى مشهد الخلاف "البلطجي" بين باسيل وبري، إذ عرف الأخير يومها أن حليف حليف حليفه الاستراتيجي لا يمكن أن يتفق معه في السياسة، في الوقت الذي يمكن للمتابع اليومي أن يلمح بسهولة الاحترام الذي تكنه القوات لبري بغض النظر عن الاختلاف الأساسي الذي يفرق وجهة نظرهما تجاه المقاومة وسلاح حزب الله. وبالتالي من الطبيعي أن يتجلى هذا الاحترام المتبادل بين الطرفين تقارباً سياسياً، وإن كان الاستئثار الباسيلي في الموضوع الحكومي قد ساهم في تسريع ترجمة هذا التقارب".
وهو التقارب الذي لم يأتِ على أهواء بعبدا التي أطلقت سهامها قبل أيام على بري، واستدعى تحركاً جماعياً من "لبنان القوي" تترجم حضوراً قويا لنوابه في لقاء الأربعاء يوم أمس الأول في عين التينة، إذ كان لافتاً حضور كل من النواب سليم عون، وسيمون أبي رميا، وآلان عون".
وعن أسرار هذا التقارب يتحدث رئيس جهاز الاعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور ويربط التقارب على خط معراب عين التينة بأسباب عدة في مقدمتها "الظرف السياسي" إذ إنه منذ انتخاب الرئيس ميشال عون يمر البلد بمرحلة مختلفة عن سابقاتها لجهة تراجع الانقسام العمودي حول القضايا الاستراتيجية المتصلة بسلاح حزب الله والعناوين الوطنية الكبرى. وهذا التراجع أدى عمليا إلى تقارب موضوعي بين القوات من جهة والثنائية الشيعية من جهة أخرى حول الملفات المتعلقة بمكافحة الفساد وعناوين أخرى. واقترب القوات وحزب الله من مساحة مشتركة عنوانها مكافحة الفساد ظهرت وتجلت في الحكومة.
هذا التقاطع بين القوات وحزب الله، بحسب جبور، فرض نفسه وايقاعه على تقارب أكبر بين القوات وحركة أمل، كون الأخيرة على الرغم من تأييدها لسلاح حزب الله وخيار المقاومة "وهي عناوين خلافية بيننا"، لكن أمل تختلف عن حزب الله لجهة كونها إحدى المليشيات اللبنانية بأهداف محض لبنانية. والعلاقة بين جعجع وبري تعود إلى زمن الحرب ثم زمن الطائف وما بعد الطائف، علاقة تاريخية جمعتهما من خلال النقيض للآخر لكن في آخر المطاف هي حركة لبنانية بأهدافها ومنطلقاتها.
ويرى جبور في مواقف "أمل" التي أثبتت في السنوات الأخيرة أنها غير مستعدة لأن تذهب إلى حيث يذهب حزب الله، إذ لم تقاتل في سوريا ولم تذهب إلى العداء مع السعودية والغرب "أموراً مشجعة على مزيد من التقارب".
وعن عدم انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب منذ العام 2005، يؤكد جبور في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" أن الأمر لا يفسد في الود قضية، "وبالعكس قرر حزب القوات أن تتم موازنة عدم الانتخاب مع مزيد من توسيع علاقة التعاون مع الرئيس بري، ولذلك اتخذ القوات قراراً في نفس اليوم الذي اتخذ فيه قرار عدم انتخاب بري رئيساً، وهو توسيع قاعدة التعاون والتواصل مع الأخير. وعلى هذا الاساس اتُخذ قرار المشاركة الثابتة في لقاء الاربعاء النيابي، وهي رسالة سياسية من القوات اللبنانية أكثر منها حضوراً نيابياً تم توجيهها الى كل من يعنيه الأمر أن حزب القوات يريد أن يتعاون مع الرئيس بري، الذي ننظر إليه كحالة وطنية لديه مسألتين أساسيتين، رئيس السلطة التشريعية ويجسد حالة ميثاقية اساسية".
ومن أسباب التقارب الذي فرض نفسه بين القوات وأمل، الواقع الشيعي الذي لا يمكن القفز عنه، ويقول إن الميثاقية الشيعية ممثلة من خلال الثنائية الشيعية، ولا يمكن لأي فريق سياسي من ضمنهم القوات ان يبقى خارج التعاون والتفاعل والتواصل مع هذه الثنائية التي تحظى بهذا البعد الميثاقي، تبعاً لجبور.
وحول دور باسيل في هذا التقارب على قاعدة البعد عن الأخير في عدة محطات سياسية وأحياناً شخصية، يقول جبور القوات لا ينظر لأي تفاهم مع أي طرف سياسي بأنه يمكن أن يكون على حساب طرف أو تطويق طرف آخر، بل ينظر إلى التفاهمات على أنها ضرورة من اجل المصلحة الوطنية العليا. لذلك لا علاقة لباسيل بهذا التقارب، بالنسبة لنا لكل تفاهم سياسة وأولوياته وظروفه. ويرفض تسمية العلاقة المستحدثة بين معراب وعين التينة على أنها ثنائية مارونية شيعية على غرار ثنائية التيار – حزب الله، "القوات لا يريد أن يتحالف مع بري من أجل أن يكون هذا التحالف ثنائية شيعية مارونية، في مواجهة ثنائية مارونية شيعية أخرى، لأنه ينظر إلى التفاهمات من منظور وطني لا ثنائي.
ويلفت جبور إلى أن للقوات كما لبري مصلحة في تقاطع من هذا النوع، فللقوات ما لديه داخل الشارع المسيحي، ويمكن أن يفيد بري، وكذلك حزب القوات اللبنانية لديه مصلحة مع الحالة الشيعية انطلاقا من وضعيتها وهي قد أظهرت من خلال ممارستها السياسية أنها تميز بين الخلاف الاستراتيجي وموضوع بناء الدولة.
من جهتها، مصادر عين التينة أكدت لـ"ليبانون ديبايت" أنه حصل تقاطع بين الطرفين في الحكومة وفي السياسة، "وإن كنا لسنا متحالفَين، لكننا أمام تقاطع مصالح، يمكن ان يكون على القطعة، أي أن نختار الملف المشترك بيننا ونتفق عليه". وتضيف "الرئيس بري قال إنه مستعد للتعاون مع الجميع ونحن اليوم في إطار تعاون".
وعن توقيت هذا التعاون في ظل التباعد القائم مع التيار الوطني الحرّ، تقول المصادر "بالتأكيد هذا التعاون ليس ضد التيار ولا ضد أي طرف سياسي، فالرئيس بري لا يبني سياساته على اعتبارات شخصية".
ولا تنكر مصادر عين التينة أنها تطمح إلى علاقة سياسية داخلية سليمة وحقيقية على قاعدة التعاون المشترك في الملفات ذات المصلحة، وأنها لاقت لدى القوات نية بتوسيع هامش العلاقة. ولا تخفي حصول تواصل غير مباشر بين معراب وعين التينة عبر موفدين، وتبادل رسائل تتضمن كل الاحترام، في هذا الإطار وفي الإطارين التشريعي والحكومي.