أشاعت زيارة الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى لبنان، أمس، جواً إيجابياً جداً إزاء المبادرة الروسية الهادفة إلى إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، مدعّمة بضمانتين، الأولى روسية، والثانية سورية، خصوصاً أن بيروت هي أول محطة يزورها الوفد بعد أن أطلع الرئيس السوري بشار الأسد، على حيثيات الخطة الروسية إضافة، إلى الموافقة الأميركية عليها في قمة هلسنكي.
ترأس رئيس الجمهورية ميشال عون المحادثات مع الوفد الروسي، في حضور الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، وزير الدفاع يعقوب الصراف، قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن أنطوان منصور، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير غدي خوري، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير، وعدد من المستشارين في القصر الجمهوري ووزارة الخارجية.
وحضر عن الجانب الروسي إلى لافرنتييف، نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، القائم بأعمال السفارة الروسية فاتشلاف مقصودوف، الجنرال ستانيسلاف غادجيما غوميدوف، الجنرال سيرغي فانسييف، وعدد من الديبلوماسيين والضباط والمستشارين في وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين والسفارة الروسية في بيروت.
ماذا في محضر اجتماع القصر الجمهوري؟
في مستهل الاجتماع، نقل لافرنتييف إلى عون، تحيات بوتين وتمنياته بالتوفيق والخير للبنان والتقدم للشعب اللبناني الصديق، وعرض تفاصيل المقترحات الروسية لإعادة النازحين السوريين، وفق ما تم التفاهم عليه في قمة هلسنكي.
وقال عون إن لبنان يرحب بالمبادرة الروسية القاضية بإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وهي تتجاوب مع الدعوات اللبنانية لتأمين عودة آمنة للنازحين، ما يؤدي تلقائياً إلى الحد من تداعيات النزوح السوري على الوضع في لبنان، وشكر لبوتين دعمه للبنان وأيضاً الدور الذي لعبته روسيا الاتحادية في مكافحة الإرهاب ومنع تمدده، وأكد أن لبنان استطاع القضاء على المجموعات الإرهابية التي احتلت جزءاً من أراضيه على الحدود الشرقية مع سوريا، كما تواصل القوات المسلحة (اللبنانية) القضاء على الخلايا الإرهابية النائمة وتعمل على كشفها.
وأضاف عون أن لبنان على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ المقترحات الروسية بإعادة النازحين السوريين سواء عبر اللجان التي ستتشكل لهذه الغاية أو عبر الآلية التي ستعتمد، والمطلوب من المجتمع الدولي المساعدة في تحقيق عودة النازحين، لا سيما أن الأزمة السورية باتت على أبواب الحل السياسي ما يوفر أجواء مؤاتية لتحقيق العودة الآمنة والطوعية.
وبعدما شرح عون الأعباء التي تكبدها لبنان ولا يزال جراء النزوح السوري على الصعد الاقتصادية والمالية والأمنية والسياسية والاجتماعية... وعدم توافر المساعدات الدولية التي تعين لبنان في مواجهة هذه الأعباء، على رغم كل الوعود التي قطعت له، أكد أن البدء بإعادة النازحين لا يلغي حق لبنان في تعويضه عن الخسائر التي تكبدها في كل مرافقه وبناه التحتية والتي فاقت العشرين مليار دولار، وهذه مسألة ستبقى في صلب الموقف والتحرك الرسمي اللبناني في كل الاتجاهات.
ثم تحدث لافرنتييف فأكد أن تفصيل الخطة الروسية «سيبحث لاحقاً عندما تتشكل اللجان في البلدان المعنية بملف النزوح لأن لكل بلد ظروفه واعتباراته»، وشدد على أن روسيا الاتحادية تتفهم جداً وتقدر العبء الثقيل على لبنان نتيجة النزوح السوري.
وتابع أن الأزمة العسكرية في سوريا شارفت على الانتهاء وعملية بناء الاستقرار بدأت وهذا يسمح بعودة النازحين لأن عودتهم من الركائز الأساسية لبناء هذا الاستقرار، والموقف الثابت لبلدنا هو الحفاظ على سوريا موحدة أرضاً وشعباً مما يعني إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم.
وأضاف: لا بد من تشكيل لجان مشتركة لبنانية روسية وأردنية روسية وتركية روسية تشرف عليها لجنة مركزية تدير وتنسق عملية إعادة النازحين من هذه الدول، وإذا وجدنا حاجة لتشكيل لجان أخرى مع بلدان أخرى يوجد فيها نزوح سوري فلن نتأخر بذلك، على أن يحدد مستوى التمثيل في هذه اللجان لاحقاً، وهذه العملية ما زالت في بداياتها الأولى، وما يشجع على المضي فيها أن الحكومة السورية أبدت استعدادها لاستقبال النازحين وخلق الظروف الإيجابية للعودة.
وأوضح لافرنتييف أن الولايات المتحدة الأميركية على علم بالموضوع وكان محل حديث في قمة هلسنكي، ونحن على استعداد للتعاون مع أصدقائنا اللبنانيين لتحسين أوضاع اللبنانيين والسوريين، وعلى الصعيد العملي سيتم تشكيل لجنة لبنانية روسية لإعطاء زخم للمبادرة، وأعلن أن روسيا الاتحادية على استعداد تام لتقديم الدعم الضروري لمكافحة الإرهاب لأنه يهدد كل المنطقة وليس سوريا وحدها، وقال مخاطباً الرئيس عون: «يمكن الاعتماد على دعمنا وهذه رسالة الرئيس بوتين إليكم».
وأشار إلى أن الدول المعنية التي تستضيف نازحين سوريين معنية بتسهيل العودة وتقديم الدعم، وكذلك المجتمع الدولي، والجهد ينصب على إنجاز المصالحة ونحن نؤكد الاستمرار في العمل لإنجاز العملية السياسية (في سوريا)، لقد أبلغتنا الحكومة السورية أن أولوياتها في تسهيل عودة النازحين تتمثل في أربع نقاط:
أولاً، توفير الأمن والسلامة للعائدين.
ثانياً، تفادي اتخاذ أي تدابير قاسية بحق المقاتلين.
ثالثاً، خلق ظروف مؤاتية لهذه العودة عبر مبادرات عملانية.
رابعاً، بذل الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية السورية وإطلاق ورشة إعادة الإعمار.
وبعد انتهاء الاجتماع الموسع، اختلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالفريق الأمني المرافق للموفد الرئاسي الروسي، وتركز الحديث على الآلية التي يعتمدها الأمن العام اللبناني في إعادة النازحين للاستفادة منها في وضع أسس العودة وفق المبادرة الروسية.
وأطلع إبراهيم الوفد الروسي على الدور الذي يقوم به الأمن العام من أجل إحصاء الوجود السوري في لبنان، فضلاً عن تواصله بتكليف من رئيس الجمهورية مع القيادة السورية، لمتابعة هذا الملف رسمياً، وأكد أن الجانب السوري يقدم تسهيلات كبيرة للجانب اللبناني، وكلما اكتملت خطة عودة لمجموعة من النازحين، يتم إرسال لوائح اسمية إلى الجانب السوري، فيدقق في الأسماء ويعطي موافقة نهائية للأمن العام، وعلى هذا الأساس، يتم تسيير قوافل العودة، وستكون واحدة منها يوم السبت المقبل من شبعا إلى بيت جن في الجانب السوري. وقال إن الأسماء التي لا يوافق عليها الجانب السوري، يجري التدقيق في أوضاعها القانونية في مرحلة لاحقة.
وفي تصريح له من بعبدا، وصف لافرنتييف المحادثات بأنها «كانت بناءة ومثمرة»، وقال إن لبنان والأردن «يستقبلان كلاً منهما نحو مليون نازح، وتركيا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون نازح، ولكن العدد الإجمالي لكل النازحين السوريين في مختلف أنحاء العالم يبلغ نحو 6 ملايين ونصف المليون وفق إحصاءات الأمم المتحدة». ورأى أن الحرب على تنظيم «داعش» وصلت إلى نهايتها، ودعا إلى تهيئة الأجواء الملائمة لعودة النازحين، وقال: «الحكومة السورية أبلغتنا (أول من) أمس من خلال لقائنا مع الرئيس السوري بشار الأسد، استعدادهم لاستقبال كل من يرغب من السوريين في العودة إلى أرضه وتوفير كل الشروط اللازمة لهم للعودة إلى وضعهم الطبيعي».
وقال لافرنتييف: «لقد أبلغت رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أننا تلقينا إشارات إيجابية جداً من السلطات السورية، وهناك نازحون يعودون في شكل يومي بدفعات صغيرة، ويعلم العائدون أنه ليس هناك أي تهديد من قبل الحكومة والقوى الشرعية السورية التي تسيطر على المناطق التي تشهد عودة النازحين». وأكد أن المهم «هو القيام بالخطوة الأولى وسرعان ما ستتحول إلى كرة ثلج ستكبر حتماً مع الوقت».
ورداً على سؤال حول الموقف الأميركي، قال الموفد الروسي إنه تمت إثارة هذا الأمر خلال قمة هلسنكي، «ولم يكن هناك من نتيجة ملموسة ولكن الرئيس الروسي قرر القيام بالتعاون والتنسيق على أساس المساعدات الإنسانية. أما في ما خص النازحين، فأعتقد أن الإدارة الأميركية تحتاج إلى وقت لتبلور بعض الأفكار»، مشيراً إلى أن المناطق التي سيعود إليها النازحون هي «تلك التي تسيطر عليها الحكومة السورية».
برّي: المبادرة تحظى برعاية دولية
عكست أجواء رئيس مجلس النواب نبيه برّي، مساء أمس، ارتياحه الكبير للمحادثات التي دارت مع الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف في القصر الجمهوري، لا سيما أن الرسالة التي نقلها الموفد من دمشق أكدت «استعداد الدولة السورية في المساعدة والتساهل إلى أبعد الحدود، بما يخدم إنجاح المبادرة الروسية». وكذلك التشديد على «عدم التعرض للعائدين بأي شكل من الأشكال».
وتكمن أهمية المبادرة، بحسب أجواء عين التينة، في أنها «جديّة وتشمل ملف النازحين في كل المنطقة، وتحظى برعاية دولية وإلا لما كانت قد سلكت طريقها نحو التنفيذ». الوفد الروسي الذي جاء مطالباً بموقف واضح من الجانب اللبناني، سمع بحسب مصادر الرئيس برّي «موقفاً موحداً جعل من الاصطفافات الداخلية حول هذا الملف لا قيمة لها».