علمت «الجمهورية» أنّ الأفكار الروسية والاقتراحات التي نقلها الوفد الروسي الى لبنان تمحورت حول خمس نقاط اساسية هي:
1- اقترح الروس تأسيس لجنة في كل من لبنان والاردن وتركيا، للتنسيق والمتابعة مع الجانب الروسي في سبل العودة وآلياتها. وفي السياق أصر الرئيس سعد الحريري على ان تكون لجنة أمنية لوجستية لبنانية ـ روسية، مع التركيز على ضمانات امنية داخل سوريا للعائدين.
2- ابلغ الوفد الروسي الى الدول المعنية في المنطقة ان موسكو نسّقت مع الحكومة السورية، وانّ لديها ضمانات بعدم التعرض للعائدين. واشار الوفد قبيل مغادرته بيروت الى ان البيان الذي اصدره الرئيس السوري بشار الاسد امس تم بالتفاهم مع الروس.
3- كشف الروس ان اعادة الاعمار في سوريا، خصوصا للبنى التحتية المدمرة تحتاج الى دعم مالي، وقد ُطلب من الاميركيين والاوروبيين تأمينه، وهم لم يردوا على هذا الطلب بعد.
4- أسّس الروس مراكز في سوريا من المفترض ان ينتقل اليها العائدون في المرحلة الاولى، ومنها الى قراهم بعد اعادة اعمارها.
5- ستكون هناك نقاط عبور تمر عبر الدولة التي يعود منها النازحون، والروس والنظام.
مبادرة نتاج توافق
وأفادت معلومات أن الوفد الروسي نقل من دمشق اجواء وصِفت بأنها «اكثر من مشجعة»، خصوصا لجهة استعداد دمشق لتقديم كل المساعدة والتسهيلات بما يخدم المبادرة الروسية لاعادة للنازحين، مع التأكيد ان السلطات السورية لن تتعرض لأي من هؤلاء.
واكد الوفد ان المبادرة الروسية «لم تنطلق من فراغ، بل هي نتاج توافق دولي شامل حولها، والا لما كانت تسير في الوتيرة التي تسير فيها نحو التطبيق».
وابلغ لبنان الى الوفد موقفا موحدا من المبادرة الروسية عبّر عنه رئيس الجمهورية بتأكيد اهمية التجاوب المطلق معها بما يخدم الهدف الذي يتوخاه لبنان وهو رفع عبء النازحين عنه حيث بلغت المعاناة من هذه القضية على كل المستويات حدا لا يوصف.
وفي المعلومات ايضا ان الجانب اللبناني ابدى استعداده الكامل للتعامل الايجابي، والابعد من الايجابي، مع اللجنة التي سيؤلفها الجانب الروسي في شأن لبنان، وقد خلص اللقاء الى اتفاق على مواصلة البحث في لقاءات تتحدد مواعيدها وفقا للتطورات التي تنشأ على هذا الصعيد.
وقالت مصادر مشاركة في اللقاء لـ«الجمهورية»: «نستطيع القول اننا بدأنا الخطو نحو حل مشكلة النازحين، لكننا لا نستطيع ان نقول ان هذا الملف سيقفل بـ«كبسة رز»، هناك مسار بدأ وبالتأكيد سيأخذ بعض الوقت».
وسئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الموقف اللبناني من المبادرة الروسية، فقال: «اجزم بأن هناك موقفاً لبنانياً واحداً، وكل كلام عن انقسامات واصطفافات لا مكان له في هذا الموقع، وان شاء الله يبلغ هذا الملف خواتيمه الطيبة». وابدى ارتياحه الى الاجواء التي سادت اللقاء، وأكد ان هناك موقفاً لبنانياً موحدا حيال مقاربة المبادرة الروسية لموضوع النازحين.
والى ذلك قالت مصادر تابعت اجواء اللقاءات اللبنانية ـ الروسية لـ«الجمهورية» ان «التطور الابرز الذي طرأ على ملف النزوح هو قوة الدفع الدولية التي أعطيت في قمة هلسنكي وحملها معه موفد بوتين الى لبنان، معطوفة على ضمان دولي لم يكن متوافراً في السابق وهذا ما يشجع النازحين اكثر على العودة. فالروسي وخلفه الأميركي سيكون مسؤولا عن هذه العودة وهو موجود على الارض».
وكشفت ان الجانب الروسي «اعلن صراحة بأنه مسؤول عن كل نازح يعبر الحدود بالتنسيق مع الجهات المعنية، اما الإجراءات فلن تخرج عن النطاق المتبع منذ مدة من الامن العام اللبناني». واكد الوفد الأمني الروسي خلال اجتماعه مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في القصر الجمهوري «ان الامن العام اللبناني سيكون هو محور العملية، والآلية التي يتبعها هي التي ستعتمد ضمن الخطة الجديدة للعودة».
واستوضحت «الجمهورية» اللواء ابراهيم موضوع اللجنة والآلية والتكليف، فلم يشأ التعليق مكتفيا بالقول: «نحن مُستمرون وفقا للمهمة المعطاة لنا سابقا وحتى الآن لم نتبلغ اي جديد، وهناك دفعة كبيرة من النازحين تقدَّر بالمئات ستعود السبت المقبل الى الاراضي السورية وفق الآلية الحالية».
وقالت مصادر وزارية تابعَت جانباً من المحادثات لـ«الجمهورية»: «على حكومة تصريف الاعمال ان تجتمع الآن في جلسة طارئة لأن هذا الملف استراتيجي كبير ويهدد لبنان سياسيا واقتصاديا ويؤثر على البنى التحتية». وسألت: «اذا لم يكن هذا الامر الذي يهدد مصلحة لبنان العليا يستدعي الاجتماع فما الذي يستدعيه، خصوصا أنّ الاجتماع سيكون في هذه الحال دستوريا وضمن صلاحيات حكومة تصريف الاعمال؟ فهناك مبادرة دولية جدية على لبنان ان يلاقيها في منتصف الطريق بموقف موحد توافق عليه كل القوى السياسية حتى لا تضيع الفرصة في زواريب المزايدات او المواربات. فما حصل في السابق من هروب وتنصل ومماطلة لم يعد يصحّ الان وعلى الحكومة الاجتماع ووضع إجراءات عملية على المستوى الداخلي وتكليف اللواء ابراهيم رسميا للتواصل والتنسيق مع الجانب السوري، وهو ما يجب ان يذهب اليه لبنان شاء أم ابى، لأن الزيارات السرية لم تعد تصلح في ظل وضع هذا الملف أمام المجهر الدولي وعلى طاولة التنفيذ». ودعت المصادر «الى التوقف عند ما قاله الموفد الروسي من انه سيتوجب على لبنان التواصل والتعاون مع السلطات السورية، ولَم يحدد في كلامه التنسيق الأمني، ما يعني انه قصد بذلك السياسي منه أيضا».
وعلمت «الجمهورية» ان مطلع الاسبوع المقبل سيشهد تحركا كبيرا على هذا الصعيد بعد ان يكون لبنان قد حزم أمره واتخَذ إجراءاته.
وكان لافرينتييف قد عرض مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري لتفاصيل مقترحات روسيا لاعادة النازحين، واعلن ان بلاده ستواصل العمل المشترك من اجل عودة النازحين، مؤكداً اهمية تهيئة الاجواء الملائمة للعودة. واوضح ان موسكو تبلغت استعداد سوريا «لاستقبال كل من يرغب من السوريين في العودة الى أرضه وتوفير كل الشروط اللازمة لهم للعودة الى وضعهم الطبيعي». وقال: «نعلم جميعاً انه ليس في استطاعة الحكومة السورية تأمين الاموال اللازمة بسبب الوضع الراهن، ونعتمد على المجتمع الدولي للمساعدة في هذا المجال».
عون
ورحّب عون بالمبادرة الروسية شاكراً لبوتين «دعمه للبنان والدور الذي لعبته روسيا لمحاربة الارهاب ومنع تمدده»، واعلن الاستعداد لتقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ مقترحات موسكو بإعادة النازحين، «سواء عبر اللجان التي ستُشكّل لهذه الغاية، او عبر الآلية التي ستعتمد»، ودعا المجتمع الدولي الى المساعدة في تحقيق هذه العودة، خصوصا وان الازمة السورية باتت على ابواب الحل السياسي، ما يوفر الاجواء المؤاتية للعودة.
عند الحريري
وكان الوفد الروسي قد زار الحريري في «بيت الوسط»، في حضور وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وزير شؤون النازحين معين المرعبي، الوزير السابق باسم السبع ومستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، وجرى البحث في تفاصيل المقترحات حول الخطة المرتقبة لاعادة النازحين. ولخّصت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» ما دار في اللقاء بالآتي: «ان همّ الوفد كان شرح المبادرة الروسية من دون الدخول في التفاصيل العملية».
ولفت رئيس الوفد الى ان مهمته تنحصر بالإتصالات مع دمشق وعمان وبيروت لنيل موافقتها على المقترحات الأولية، مشيرا الى ان وفودا أخرى جالت على عواصم دول تعتبر روسيا انها معنية بالأزمة والحلول المقترحة على اكثر من مستوى عربي ودولي. ولفت رئيس الوفد الى ان ليس لديه اي مقترحات عملية في انتظار نيل الموافقات الضرورية من كل الدول والجهات المعنية بعملية مسارها طويل لكن بداياته انطلقت وقد يكون مسارا معقدا الى درجة معينة، ولكن لا بد ان يكون لكل عقدة حل. وتولى وزيرا الداخلية وشؤون المهجرين أثناء اللقاء طرح بعض الأسئلة التقنية والإجرائية على اعضاء الوفد بعد مداخلة للرئيس الحريري رحّب فيها بالمبادرة متمنيا ان تساعد المواقف والظروف الإقليمية والدولية على ولوجها دون اغفال المصاعب التي تواجهها».
تقييم رئاسي
وبعد انتهاء المحادثات الروسية ـ اللبنانية عُقد اجتماع بين الرؤساء الثلاثة قوّم نتائج هذه المحادثات. وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان عون اجرى مع بري والحريري تقويما لمهمة الوفد الروسي، وتبادلوا الآراء حول التوقعات من المبادرة الروسية والأجواء الدولية التي تواكبها وما هو محتمل من عراقيل مادية، سياسية او عسكرية وامنية. وانتهى التقويم الى التفاؤل بالتأييد الدولي الذي وفّرته الديبلوماسية الروسية نتيجة للتفاهم مع الجانب الأميركي، وهو تأييد يفيض الى مرحلة الإجماع. فالعالم يخشى من اي انفجار اجتماعي او اقتصادي يصيب المجتمعات المضيفة للنازحين، ويمكن شظاياه ان تصيب الجميع.
الحكومة
وحازت أزمة تأليف الحكومة على قسط كبير من اللقاء الرئاسي، وتركز البحث على التطورات في هذا الصدد في ضوء الاتصالات التي يجريها الحريري بعد زيارته عون امس الاول. وتم التوافق على الاسراع في التأليف، على ان يكثّف الحريري لقاءاته لهذه الغاية.
وبعد مغادرة بري بعبدا استكمل عون البحث مع الحريري واتفقا على ان يلتقي الأخير الوزير جبران باسيل العائد مساء اليوم من واشنطن، على ان يعود الحريري الى بعبدا في الساعات الـ 48 المقبلة.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الحريري لـ«الجمهورية» ان الايجابيات موجودة وبثها مقصود لكي تشكل عاملا مساعدا ومسهلا للتأليف، فهناك بحث حصل، ولكن لا توجد اي مسودات لتشكيلات وزارية متفق عليها حتى الآن وانما هناك محاولات للتقدم الى الامام، وثمة ليونة في بعض المواقف. وهناك طروحات حول مخارج معينة خصوصاً في ما يتعلق بالعقد الدرزية والسنية والمسيحية و«الشغل ماشي» ويؤمل في التوصل الى حلول قريباً.
ورشح بعد هذه الاجواء التفاؤلية أنّ الجلسة النيابية التشاورية التي كان بري قد لمّح الى احتمال الدعوة اليها للبحث في مصير الاستحقاق الحكومي قد تراجعت احتمالات انعقادها.
في السياق نفسه قالت مصادر مواكبة لمفاوضات التأليف «أن الهم المضمر لدى المعنيين ليس تأليف الحكومة في أقصر وقت ممكن بل إن كلا منهم يهتم بنفي تهمة العرقلة عنه وتبرئة ساحته من مسؤولية التأخير وهذا ما يفسر محاولات ضخ جرعات من التفاؤل لا تنطبق عمليا على الواقع».
وكشفت هذه المصادر أن عون أبلغ إلى الحريري «استعداده مبدئيا للموافقة على منح وليد جنبلاط ثلاثة وزراء ينتمون إلى الحزب التقدمي الإشتراكي»، لافتة إلى أن هذا الطرح «لا يعني بالضرورة أن يكون هؤلاء الوزراء من الدروز لأن اقتراح عون باختيارهم من صفوف الحزب التقدمي يوحي ضمنا بأن أحدهم قد يكون اشتراكياً مسيحياً وبالتالي ليس معروفاً ما إذا كان جنبلاط سيوافق على هذا الطرح أم لا».
التشريع و«الكتائب»
نيابيا، انطلقت في ساحة النجمة امس ورشة تشريعية، فأقرت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون حماية كاشفي الفساد ومشروع قانون النفايات الصلبة، وذلك بعد انسحاب نائبي حزب الكتائب سامي الجميل والياس حنكش والنائب بولا يعقوبيان من الجلسة، اثر خلاف على موضوع النفايات الصلبة. وقال الجميل لدى انسحابه انه لا يعرف «ما الهدف من الجلسة اذا لم يكن بامكان النواب ابداء رأيهم»، مطالباً بتعديلات لمنع حصول اخطاء. وتمنى ان لا يستمر هذا الاداء.
وعن موقف الكتائب مما شهدته جلسة اللجان النيابية المشتركة امس وانسحاب الكتائب منها، قالت المصادر لـ«الجمهورية»: «انها ديكتاتورية النافذين في البلد، و«انسحاب الكتائب من الجلسة لا يعني انسحابها من التصدي لهذه الديكتاتورية بكل الوسائل الديموقراطية المتاحة».