لا أتوافق مع كثيرين من خصوم حزب الله الذين حاولوا أن يصوّروا تبعات حادثة الحمّودية وردّة الفعل عند أهالي بلدة بريتال وما شاهدناه من أفلام مصوّرة لأشخاص يشتمون أمين عام حزب الله أو يحرقون علمه في ساحة البلدة من قبل الأهالي الغاضبين، وكأنه تحوّل دراماتيكي في بيئة حزب الله الحاضنة، وإعطاء الموضوع أبعاد أكثر بكثير من اعتباره مجرد ردّة فعل آنية على حادثة خطيرة أدّت إلى مقتل ثمانية مواطنين منهم المطلوب الفار من وجه العدالة علي زيد إسماعيل وأمه وبعض أقاربه.
بالمقابل فإن تعاطي حزب الله ومقاربته للحادثة، تُثير الشفقة والإشمئزاز في آن، من خلال إضفاء بُعد مؤامراتي محلي وإقليمي وصولاً حتى إلى ما وراء المحيطات، فلم يترك إعلام الحزب إسم من أسماء خصومه إلا وحاول زجّه بالأمر، فالشيخ عباس الجوهري كان المُحرّض على حرق العلم، والشيخ الطفيلي هو المُشجّع، والسفارة السعودية هي من دفعت ثمن القداحة، وإن كنا ننسى فلا يجب أن ننسى السفارة الأميركية ودورها الرئيسي بالتخطيط لكل شيء!
إقرأ أيضًا: بري يواجه ثقافة حزب الله بجوليا بطرس
بعيداً عن كل هذه الترّهات، يبقى السؤال الكبير هنا عن أسباب ردّة فعل الأهالي وصرختهم في وجه حزب الله تحديداً في حين أن من قام بعملية المداهمة وما رافقها من إستعمال مفرط للقوة هو الجيش اللبناني، وعليه فإن من المنطق والطبيعي أن تكون الصرخة الإستنكارية إن وجدت هي حصراً في وجه صاحب العلاقة كما هو مفترض وهنا يجب أن يكون المعني هو الجيش اللبناني دون سواه.
أما وأن يقوم الجيش اللبناني بعملية عسكرية أو أمنية وتكون ردّة فعل الأهالي واستنكارهم على ما شاب العملية من شوائب موجّهة نحو حزب الله! فلا يمكن فهم الأمر إلا أن أهالي المنطقة هناك يعتبرون أن الجيش اللبناني إنما هو بمثابة الذراع العسكري للحزب، ولا يتحرّك إلا بإيحاء منه (حتى لا نقول بأوامر منه)، والحزب بنظرهم هو من يُحدّد حجم العملية ونسبة القوة المسموح بها وحجم الأسلحة المسموح إستعمالها وكذلك عدد القتلى المصرّح بهم!!
أن يتحوّل الجيش اللبناني إلى أداة تنفيذية لحزب الله أو لغيره بنظر المواطنين لهو الخطر الأكبر، على الجيش أولاً وعلى الوطن والإستقرار العام ثانياً، لأن إستقلالية مؤسسة الجيش اللبناني هي مسؤولية السلطة السياسية أولاً وقيادة الجيش ثانياً لأنّ الجيش هو البقية الباقية من مؤسسات هذا البلد واللعب فيه لمآرب حزبية ضيقة يعني تهافت الهيكل على رؤوس الجميع.
وعليه فإن الإستجابة لمطلب أهالي بريتال بتشكيل لجنة تحقيق شفّافة يصبّ أولاً وآخراً لمصلحة الجيش قبل أي أحد.