لم تكن صدفة تبلّغ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من الرئيس نبيه بري بان الثنائي الشعي قرر توزيع الأدوار، فتتولى حركة أمل حقيبة سيادية هي وزارة المال، فيما يتولى حزب الله حقيبة خدماتية هي وزارة الصحة. ولم تكن "استراتيجية" غير مقصودة ان يعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إحدى خطبه أن الحزب قرر ألا يبقى بعيدا عن الوزارات الخدماتية والاكتفاء بوزارات اقل اهمية مثل وزارتي الصناعة والشباب والرياضة، او وزارة دولة.
وليس مستغربا ان تشتدّ "الهجمة" على وزارة الصحة ووزيرها كلما اقتربت ساعة تشكيل الحكومة، والتي يضعها بعض المراقبين السياسيين في اطار تضرّر بعض الشخصيات من نجاحات القوات، من هنا محاولتها تحقيق ما فشلت به خلال السنتين المنصرمتين وهو تدمير سمعة القوات في إدارة الشأن العام، سواء للضغط على رئيس حزب القوات سمير جعجع في المفاوضات القائمة لتشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس عون، او لخلق جو عام في لبنان في موازاة التأييد الشعبي الواسع الذي يناله حزب القوات حيث بات من المسلّم ان وزراءه بعيدون كل البعد عن الفساد، او لجعله كبش محرقة ليُلقى اللوم عليه وتحميله السبب بفشل الاخرين.
فحزب الله يضع نصب عينيه الوزارة الخدماتية، يردّد المراقبون السياسيون، لاسباب عدة:
- يعدّ حزب الله أحد أهم الفاعلين غير الرسميين في الحرب السورية وعدد مقاتليه بالجملة، خاصة أولئك الذين يعتمد عليهم، يُحصى بالآلاف، وأي خسارة في هؤلاء هي خسارة كبرى، خاصة وأن الحرب السورية هي جبهة مفتوحة الأجل، وليست كتلك التي كانت تُخاض ضد إسرائيل؛ حيث للمعارك فيها بداية ونهاية. وما انخراط الحزب عسكريا في الحرب السورية الا ليكبده العديد من الجرحى والمعوقين، وهو امر يستلزم ليس فقط وزارة الصحة انما دولة لمعالجة الجرحى.
- ان ايران تمدّ حزب الله بالتمويل، وقد زادت من قيمة تمويلها لتعزيز مشاركتها في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري، لكن ما لبثت ان خفضت ذلك مرة اخرى نظراً للضغوط الاقتصادية التي نتجت عن تشديد العقوبات الدولية، وهو ما نتج عنه خفض تمويل الحزب لحلفائه من تيارات واحزاب اخرى، وقد تكون وزارة الصحة منفذا للحزب بان يردّ الجميل لايران عبر ادخال الادوية الايرانية التي تنافس باسعارها المنخفضة الادوية المحلية والاجنبية، وهو ما يتخوف منه الغرب.
- صحيح ان العديد من المؤسسات التابعة لحزب الله تقوم بتقديم خدمات وتسهيلات تهمّ الأهالي على المستوى المعيشي والاجتماعي والصحي وصحيح ان الحزب نشط في اقامة المدراس والجمعيات الخيرية التي تعنى بأسر الجرحى والشهداء، لكن يبقى ان الحزب مقصر بعض الشيء وهو ما اعترف به بشكل مبطن امينه العام السيد حسن نصرالله في احدى خطبه، من هنا فان وجود وزير من حزب الله في وزارة الصحة من شأنه ان ينشط الخدمات للجماهير.
على اي حال، حتى الساعة لا تطور على مسرح التشكيل على رغم مرور تسعة اسابيع على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة. "هبة ساخنة وهبة باردة" تتمترس على الجو الحكومي العام، عقد توزيع الحقائب والاسماء لا تزال على حالها، سجالات واتهامات بين اهل الحكم والسياسة لا تزال قائمة.
(جانين ملاح)