بعد قمة هلسنكي وتنصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عراب حاضر سورية ومستقبلها بالمشاركة الوثيقة مع اسرائيل، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدولة العبرية. وقدم عرضاً روسياً لإسرائيل بانسحاب القوات الإيرانية إلى مئة كيلومتر من الحدود السورية الإسرائيلية، ورفضت الدولة العبرية ذلك. فإسرائيل تطالب الروس بسحب القوات الإيرانية من كل الأراضي السورية مقابل بقاء بشار الأسد. مستقبل سورية لم يعد في يد الاسد بل أصبح مرتبطاً بما يريده بوتين. فروسيا تفاوض الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران حول المستقبل السوري. صحيح أن الأسد يعتبر أنه كسب الحرب، لكونه بقي على رأس بلده. لكنه أصبح مثل رؤساء أوروبا الشرقية في عهد الاتحاد السوفياتي عندما لم يكن لهم اي دور في تقرير مصيرهم حتى سقط الاتحاد السوفياتي. فالاسد من دون روسيا بوتين سينتهي مثل تشاوشسكو. روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي، ولكن بوتين حتى اشعار آخر استعاد دورا اساسيا في سورية ما يجعله يقرر وحده مثلا كيف يوزع السلع الإنسانية على الاماكن المختلفة في الغوطة، حتى وهو يعلن أنه يفعل ذلك بمشاركة فرنسا، ولكن القرار هو روسي .
ليس للامم المتحدة ومبعوثها إلى سورية ستيفان دي مستورا أي دور حقيقي في التحرك لحل سياسي لأن القرار روسي. وروسيا تعقد اجتماعاً قريباً في سوتشي لدول مسار استانة، تركيا وإيران، يحضره المبعوث الأممي. والمبعوث الفرنسي الجديد للرئيس ماكرون لسورية فرانسوا سينيمو توجه لزيارة موسكو قبل تسلم منصبه رسميا في أيلول (سبتمبر) بعد أن غادر العاصمة الإيرانية حيث كان سفيراً لفرنسا. موسكو وسوتشي وسان بيترسبورغ وغيرها من المدن اصبحت قلب الأحداث والتطورات السورية وكل المفاوضات الدائرة حول الملف. ومما لا شك فيه أن الشركات الروسية ستكون المعنية بأولوية إعادة إعمار سورية وكل من يريد حصة بهذا الإعمار عليه أن يمر عبر روسيا. فالفساد المتفشي في القطاع الاقتصادي الروسي سيتعزز بشراكة أوساط مقربة من الأسد كان فسادها اساس الاستياء الشعبي الذي قمعه الأسد وجماعته بالبراميل والقنابل والتعذيب، والادعاء أن المتظاهرين الذين قاموا ضد الفساد ومن اجل الحرية في بداية الحرب كانوا إرهابيين. روسيا بالأمس قررت دفع عدد من اللاجئين السوريين من لبنان إلى سورية ومن الأردن إليها. ما يظهر أن النظام الروسي هو مسوؤل عمن يعود من السوريين إلى بلده. فالهيمنة الروسية هي التي ستبقى من هذه الحرب السورية الكارثية، وليس نظام الأسد الذي أصبح دمية في ايدي روسيا وإسرائيل وإيران. أما القوات الإيرانية في سورية فهي ستواجه حرباً إسرائيلية عنيفة. إسرائيل لن تسمح ببقائها. وروسيا مدركة أن ليس باستطاعتها إخراج إيران من كل سورية. إسرائيل تستمر في ضرب القواعد الايرانية في سورية تحت مراقبة الطيران الروسي الذي لا يتحرك للتصدي لها، لأنه مدرك أن إسرائيل وحدها في النهاية قد تخرج القوات الإيرانية من سورية. ليس لإيران القدرة العسكرية على القيام بحرب ضد إسرائيل. فإسرائيل تعول على بقاء الأسد ضعيفاً تحت وصاية روسية وتهتم بإخراج ايران، و«حزب الله» بدأ يسحب قواته إلى لبنان مدركاً أن الحرب لها تكاليف باهظة عليه وعلى لبنان إذا كانت روسيا تغطي أعمال إسرائيل في سورية.