مع تصاعد الكلام تدريجاً حول ملف العلاقات اللبنانية - السورية وإعادتها إلى طبيعتها عبر القنوات الرسمية، والتجاذب السياسي بين مؤيد ورافض، يتأرجح مسار تشكيل الحكومة.
 

منذ اللحظة التي بدأ فيها الكلام جدياً و«رسمياً» حول ملف العلاقات اللبنانية - السورية، جرت محاولات لاستطلاع ما وراء هذه المطالبة وتوقيتها، بعيداً من ملف النازحين السوريين والمبادرة الروسية. إذ إن ثمة جانباً أساسياً يتعلق بجوهر الخلافات الداخلية التي انطلقت من النظرة إلى هذه العلاقات، والرئيس سعد الحريري معني في شكل رئيسي أكثر من غيره من القوى المناهضة للنظام السوري والمطالبة بأن يكون للحكومة مجتمعة حق تقرير مصير مستقبل هذه العلاقات.
ولا يمكن أن يكون توقيت فتح هذا الملف بعيداً من الضغوط التي تمارس حالياً من أجل تأليف الحكومة، وتتركز في شكل أساسي على الحريري الذي لا يزال متريثاً في الإقدام على وضع التشكيلة التي يريدها فعلياً على الورق، وطرحها أمام رئيس الجمهورية. 
ووسط كم العراقيل التي تقف مانعاً أمام تشكيل الحكومة، ثمة سؤال طرح في الأيام الأخيرة عن تفعيل العلاقة مع سوريا. هل هذا التوقيت، يتعدى معالجة النزوح السوري، ويهدف من ضمن حملة التصعيد الداخلي ضد الحريري وصلاحياته، إلى إحراجه فإخراجه. والسؤال له تتمة، هل المطلوب إخراج الحريري من الحكومة العتيدة، ومعه القوى السياسية التي يتضامن مع مطالبها في الحكومة، كالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، وكلاهما معروف موقفه من النظام السوري. هذه الأسئلة ترتبط بجملة وقائع تدرجت منذ الانتخابات النيابية وصولاً إلى الجو التصعيدي منذ أن بدأ الحريري يرسم معالم مختلفة عن تلك التي وضعتها التسوية الرئاسية.
يستعيد سياسيون الكلام الذي قاله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بعد الانتخابات النيابية عن فوز الأكثرية التابعة لحزب الله في المجلس النيابي وعن «حكومة المقاومة» كما أسماها. ومن ثم توالي الضغوط لتأليف الحكومة من دون الأخذ برأي القوى السياسية كلها التي فازت في الانتخابات، وصولاً إلى فتح ملف العلاقات اللبنانية - السورية. صحيح أن هذا الملف موضوع على الطاولة كما أنه من الصحيح أن الحريري كان سيضطر عاجلاً أم آجلاً إلى مقاربته، وسيكون في وقت من الأوقات مادة نزاع سياسي بين طرفين متناقضين في الرؤية لدور سوريا والنظام السوري. لكن تسريع طرح المشكلة، بعد سلسلة إشكالات مع الحريري، هو الذي طرح علامة الاستفهام. فهل يراد منه الدفع في اتجاه حكومة أكثرية من التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما، فلا تكون القوى المعارضة للنظام السوري فيها. وبذلك يترجم العهد ما قاله سليماني بحرفيته؟
يزيد من وطأة هذه الأسئلة أن حزب الله المعني أولاً وآخراً بتشكيل الحكومة، لم يتصرف علانية ولم يظهر بعد أنه يدفع في اتجاه إنتاج هذا النوع من الحكومات التي سبق أن عمل عليها مع الرئيس نجيب ميقاتي. والغموض الذي يكتنف موقف الحزب الذي لم يتحرك عملياً لتذليل العقد الوزارية الداخلية، يقابله ترجيح بأن الحزب وسط التجاذب الإقليمي والدولي حول سوريا وإيران، يتمهل في خطوة حادة من نوع تشكيل حكومة أكثرية. إذ إنه يعرف تماماً مدى خطورتها وانعكاساتها عليه وعلى لبنان، خصوصاً مع تنامي الدور الروسي في المنطقة والتقاطع الإيراني - الروسي في ضرورة خفض التوتر.


وقد جاء موقف مجلس الأمن ليعكس من جهته الجانب الدولي الذي يضع مجدداً خريطة طريق لمسار الوضع اللبناني الداخلي. ففي وقت تمارس الضغوط على الحريري داخلياً وتعود صورة التوتر السوري - اللبناني إلى الواجهة، يطالب مجلس الأمن بحكومة اتحاد وطني. علماً أن الحريري نفسه في مواجهته لحملة التضييق عليه حكومياً، يصر على تشكيل حكومة اتحاد وطني، رابطاً بينها وبين نتائج مؤتمر سيدر والإصلاحات الاقتصادية.
وربط حكومة الوحدة الوطنية بواجهتين دوليتين، كمجلس الأمن وسيدر، يعكس أمرين. الأول، له صلة مباشرة بالحريري إذ إنه يرفع مظلة دولية سياسية واقتصادية فوقه، ويؤمن له الحماية وسط حملة كثيفة من الشروط التي توضع عليه. وهذا الأمر ليس بسيطاً، خصوصاً أن الحريري يعمل على استعادة موقعه سعودياً، بحماية دولية. أما النتيجة الثانية، فهي أن تفعيل الحماية الدولية للوضع اللبناني، في ظل الترتيبات التي تشهدها المنطقة انطلاقاً من سوريا والدور الإيراني، قد يكون مقدمة لما سيطلب من لبنان دولياً. فكأن ثمة ما يحضر دولياً على مستوى المنطقة... وعلى لبنان أن يكون حاضراً كي يغطيه. وهذه التغطية لا تتأمن إلا على مستوى حكومة اتحاد وطني تتشارك فيها كل الأطراف والقوى السياسية. لأن أي حكومة أكثرية من جانب واحد لا تستطيع بظروفها وتركيبتها أن تلبي شروط المجتمع الدولي للتسويات المطلوبة.