جاءت دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تصحيح الخلل في العلاقات الإيرانية - العربية وخاصة مع دول الخليج العربي تعبيراً عن حجم الأزمة التي تعيشها إيران جرّاء سياسات الحرس الممسك في زمام السلطة والتي أنهكت الشعب الإيراني الذي خرج الى الشوارع مندّداً بهذه السياسات الكارثية والتي تعطي ثروة الإيرانيين الى غير الإيرانيين وتُبذخ على الحروب المفتوحة والتي خسرتها إيران في سورية نتيجة الغلبة الدولية فيها والتي كرّست تفاهماً أمريكياً - روسياً تتأيّد في تفاصيله إيران دون أن يكون لها الحيرة من أمرها وما تنفيذ روسيا وقيامها بالخطوات اللازمة لحماية الأمن الاسرائيلي الاّ شاهداً حيّاً من شواهد كثيرة ستبرز الى الواجهة مع كل خطوة روسية في سورية .
مع كل أزمة إيرانية يسبّبها الحرس الإيراني تستفيق قيادة الدولة من سُباتها كونها كملوك أوروبا يملكون ولا يحكمون وتبدأ من جديد في اتخاذ خطوات تصحيحية في مسار السياسة الإيرانية في دور منها غير مشبوه طبعاً لأنها صادقة في أفكارها وفي مواقفها ولكنها يائسة وغير قادرة على التنفيذ في ظل تركيبة تلغي مواقع الدولة والأجهزة المنتخبة مباشرة من الشعب لصالح الأجهزة المُعيّنة من قبل الفقيه الحاكم والمالك لرقبة الدولة بموجب مفهوم الولاية.
قال الشيخ روحاني سنسعى لعلاقات جيدة مع السعودية والإمارات العربية والبحرين وتحسين شروط هذه العلاقة المبنية على المصالح المشتركة والتي تعني خروج إيران من سياسات السيطرة على المنطقة ومن ضمنها الخليج العربي وهذا ما يعني ضرورة خروج إيران من اليمن وترك اليمن لليمنيين في العودة الى الشرعية لا الى دور الميليشيات وهذا ما يترتب على إيران أيضاً إيقاف شبكاتها الأمنية في الدول المذكورة وعدم التدخل في أوضاعها الداخلية تحت سيل من الحُجج التي تدفع الآخرين الى التدخل أيضاً في الشؤون الإيرانية.
إقرأ أيضًا: أسد المسيحيين وموارنة الأسد
يبدو أن وصول التحالف العربي الى مدينة الحديدة الاستراتيجية وتراجع أنصار الحوثي في أكثر من محور جعل الرئيس روحاني يتجرّأ على المُضي خطوة باتجاه السعودية و أخواتها خاصة وأن المشهد في سورية بات مشهداً أمريكياً - روسياً وباتت إيران مجّرد أداة منفذة لتفاهمات ترمب - بوتين حول سورية وكذلك حال العراق الذي خرج أهله من السنة والشيعة الى المطالبة بخروج إيران أي الحرس من العراق.
كما أن خروج أميركا من الاتفاق النووي والعودة بإيران الى سياسات التعزير من قبل الإدارة الأمريكية فاقم من أزمة إيران الاقتصادية وهمّش من أدوارها السياسية لذا قام الآخرون على انتشار إيران في كل من اليمن والعراق وسورية فندّدوا بها في العراق وقلّموا أظافرها في سورية وسمحوا بتحقيق نصر عليها في اليمن.
يُذكّرنا موقف الشيخ روحاني بموقف السيد خاتمي في اللحظات الإيرانية الحرجة والتي تندفع في اللحظة المناسبة ولكنها لا تستطيع تثبيت منطق اللحظة التاريخية كون الرئاسة في إيران مجرّد ضرورة من ضرورات النظام الرئاسي ولكن لا شرعية له طالما أن شرعيته من الشعب لا من الله وبالتالي فإن موازين القوى داخل أجهزة الدولة غير مائلة للمنتخبين من قبل الشعب وثمّة سيطرة كاملة لفريق الحرس على المؤسسات الأساسية والحاكمة وخاصة على مصادر الثروة في إيران.
من هنا ما قاله الرئيس روحاني لا يُصلح أبداً ما أفسده الحرس لأنه موقف غير مسهل له المرور إلاّ من باب المناورة لتمرير الظروف الصعبة وتهدئة خواطر الشعب الإيراني الذي ثار لإحداث تغيير في مواقف وعلاقات السلطة الإيرانية من الأحداث التي دفعت إيران أثماناً باهظة دون مكاسب عملية لا إنشائية يتقنها أهل الخطابة في العربية و الفارسية.