بعيدًا عن الملايين وثوار الأرض التي تناشدهم الفنانة جوليا بطرس بأغانيها ليثوروا على الطغيان، فيما تدعم هي بمواقفها نظام الطغيان الذي شرّد ثوار الأرض وسحلهم ببراميله وطائراته وبكل أنواع الأسلحة الشيطانية داخل بيوتهم أو في غياهب زنازينه.
بعيدًا عن كل هذا فإن الحفل الفني الضخم الذي أحيته جوليا بطرس ضمن نشاطات مهرجانات صور الدولية كان له وقع ثقافي مميز، وما تهافت الجنوبيين الكبير للحضور والتفاعل على مدى يومين متتاليين الا مؤشر واضح على شغف الجنوبيين وتعطشهم للفن والفرح والمهرجانات الغنائية ولكل مظاهر الحياة وصرخة مدوية في وجه ثقافة الموت والحزن والعزاء التي تخيّم على سماء الجنوب منذ عقود بتوجيه ودعم مدروس ومتعمد من حزب الله الذي يعكس بدقة التوجه الايراني وفرضه على الجنوبيين.
فتح الرئيس بري بحضوره الشخصي الى جانب عقيلته السيدة رندة بري (المُنظّمة للمهرجان الغنائي) باب النقاش على مصراعيه في الجنوب عن الهوية الثقافية للجنوبيين، وهذا ما تجلّى بوضوح على صفحات التواصل الاجتماعي بين مناصري حركة أمل من جهة ومناصري حزب الله الرافضين لإقامة هذه المهرجانات الغنائية تحت عنوان التحريم الشرعي بحسب بعض المراجع عندهم!
إقرأ أيضًا: بقاء النظام الإيراني وخراب البصرة
فتوى تحريم الغناء التي يلتزم بها جمهور حزب الله، هي فتوى معقّدة جدًا حتى من الحيثية الفقهية، لأن الضوابط المعمول بها عند معظم الفقهاء هي ضوابط غير واضحة المعالم، إن من حيث استعمال الآلات الموسيقية المسموح بها، أو كون المغني إمرأة (صوتها عورة)، هذا بغض النظر عن الكلمات وفحوى الأغنية التي قد تكون لشخصية دينية كالسيد حسن نصر الله نفسه كما هي الحالة بالنسبة لأغنية "أحبائي"، فهذا لا يشفع لحليتها عندهم طالما لم يتوفر فيها باقي المقدّمات الشرعية (الآلات المستعملة، صوت المرأة)، ومن هنا نفهم عدم نقل قناة المنار لأغاني جوليا أو غيرها من الفنانات حتى ولو كانت أغاني وطنية وحتى لو أن هذا الفنان أو تلك تحظى باحترام عند الحزب كونها تدعم الخط السياسي وليس بكونها فنانة.
طبعًا بالمقابل هناك نظرة فقهية غير مسلط الضوء عليها، تقول بأن "تحريم" الغناء إنما كان بفترة زمنية غابرة كونه كان يؤدّى بأماكن محددة تسمى "بيوت الغناء" وكان يمارس فيها بالاضافة للغناء كل أنواع الموبقات والمحرمات، وما المقصود من التحريم إلا منع ذهاب المتدينين إلى تلك البيوت فقط لا غير.
بالعودة الى حضور الرئيس نبيه بري للمهرجان، لا شك بأنه حمل رسالة ثقافية قوية جدًا، ولا تخلو من بعد سياسي تقول بشكل واضح لا لبس فيه لمن يعنيهم الأمر بأن الجنوب لن يكون خاضع لثقافة الموت الإيرانية، وأن تاريخ الغناء والدبكة بالأعراس هي من أساسيات تراث جبل عامل والحفاظ عليها واستمرارها على أرض الجنوب هي من إهتمامات الرئيس بري ولو كره الكارهون.