ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها الرئيس نجيب ميقاتي، فالرجل إعتاد على محاولات الابتزاز السياسي، وعلى الفبركات والافتراءات، وصولا الى التهديد والوعيد في كل مرة ومن تيارات مختلفة، وذلك بفعل مواقفه المتقدمة التي تعبر عن قناعاته السياسية وعن نهجه الوسطي، وتترجم رؤيته الوطنية، من دون أن ترتبط بسقف سياسي أو أن تخضع لاملاءات من هذه الجهة أو تلك.
هدأت ″عاصفة القروض″ بسرعة، بعدما تبين للجميع أن ليس لها علاقة بالمؤسسة العامة للاسكان، أو بأصحاب الدخل المحدود، وأنها مجرد قروض عادية من تلك التي تلاحق البنوك زبائنها لاعطائهم إياها، لكن اللافت هو إثارة موضوع عمره سنوات وقروض بعضها تم تسديده وبعضها الآخر يكاد، في هذا التوقيت بالذات وربطه بالصعوبات المالية التي تواجهها المؤسسة العامة للاسكان، ما ترك سلسلة تساؤلات حول الرسالة السياسية التي أراد البعض إيصالها الى الرئيس نجيب ميقاتي، خصوصا أن من أثار هذه العاصفة ″لا ينطق عن الهوى″.
لم يعد سرأ أن الرئيس ميقاتي يشكل خط الدفاع الأول في لبنان عن إتفاق الطائف، وعن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها، وعن حضور وهيبة ورمزية هذا الموقع أيا يكن رئيس الحكومة، وهو يترجم ذلك اليوم بدعم مهمة الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة، وبالوقوف الى جانبه في مواجهة بعض التحديات، من التلويح بسحب التكليف منه أو إنتهاء فترته والتي لا يوجد أي نص لها في الدستور، الى تفاصيل التأليف المنوطة بالرئيس المكلف فقط بالتعاون والتشاور مع رئيس الجمهورية.
يبدو واضحا أن مواقف ميقاتي قد أزعجت بعض الجهات او التيارات السياسية التي تعتبر أنه يساهم في تقوية عضد الحريري كرئيس مكلف تشكيل الحكومة تسعى لدفعه الى تقديم التنازلات من أجل تسهيل مهمته في التأليف ولو كان ذلك على حساب طائفته وهيبة موقعه وصلاحياته، حيث أعطى ميقاتي دفعا قويا الى لقاء رؤساء الحكومات السابقين الداعم لمهمة الحريري نظرا لتمايزه التاريخي وخصومته مع تيار المستقبل، كما غاب عن اللقاء السني التشاوري إنطلاقا من قناعته بعدم جدوى الاصطفافات الطائفية، ورفع كرئيس لكتلة نيابية متنوعة طائفيا ومذهبيا لواء الدفاع عن الطائف والصلاحيات والدستور، ما شكل مظلة حماية سياسية ووطنية لرئيس الحكومة المكلف.
يمكن القول أن ميقاتي ساهم في تعطيل بعض المخططات التي كانت تسعى تيارات سياسية الى تنفيذها، لا سيما محاولة التلويح بوضعه في وجه الحريري كبديل عنه في حال أخفق في تأليف الحكومة، أو في حال طال أمد التكليف، وذلك ليس زهدا في رئاسة الحكومة، بل على العكس فإن ميقاتي بحسب كل المقربين ″مستعد لهذه المهمة في أي وقت″، لكن ليس على حساب هيبة الموقع أو على حساب الصلاحيات، أو على حساب الطائف الذي يدرك ميقاتي أنه في خطر ويحتاج الى حماية، في ظل تنامي شهية البعض على صلاحيات رئيس الحكومة وعلى فرض أعراف جديدة من شأنها أن تفرغ إتفاق الطائف من مضمونه، لذلك يشدد ميقاتي على الوقوف الى جانب الحريري كرئيس مكلف بانجاز مهمة تشكيل الحكومة..
أمام هذه المواجهة التي يخوضها ميقاتي، ربما لم يعد مستغربا محاولة إبتزازه أو إستهدافه سياسيا أو الافتراء عليه، خصوصا أن ميقاتي يدرك بأن لديه مهمة وطنية أساسية هدفها الأول حماية لبنان والسلم الأهلي فيه، والحفاظ على صلاحيات الرؤساء وخصوصا صلاحيات رئيس الحكومة، وحماية الطائف وتنفيذه، ومعالجة الأزمات برؤية وطنية تضع مصلحة البلد فوق كل إعتبار، متجاوزا من أجل ذلك كل التجاذبات والخلافات السياسية، وصراعات الانتخابات الماضية التي يضعها وراءه.