غالباً ما جهد الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للفصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل. كانا يعتبران أن العلاقة مع عون هي غيرها العلاقة مع باسيل. وينطلقان من أن عون رئيس لكل اللبنانيين ويتخذ موقفاً على الحياد، بالشكل على الأقل، وإن لم يكن ذلك عن قناعة راسخة. لكن رئيس الجمهورية خرج بموقفين خلال الأيام الماضية أكد فيهما أنه باسيل وباسيل هو. وذلك استناداً إلى جملة المواقف التي أطلقها وتبنى فيها كل خيارات باسيل. في معرض انتقاداته رئيس الحكومة المكلّف، سجّل عون اعتراضاً على الحريري باعتباره ليس محايداً. لكن هذا أيضاً ينطبق عليه بحسب ما يظهر من سياق مواقفه.
يهاجم عون القوات والحزب التقدمي الاشتراكي، ويتهمهما بعرقلة العهد. وهذا غالباً ما قام به باسيل. ويوجه انتقادات لاذعة إلى رئيس الحكومة، واصفاً إياه بأنه يخطئ. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى سقوط جوانب أساسية من التسوية أو الصفقة التي عقدت بينهما وبدأ تنفيذها في 31 تشرين الأول 2016. السياق التصعيدي من جانب العهد تجاه رئيس الحكومة المكلف وفرض شروط عليه وعلى ما يتعلّق بصلاحياته، يندرج في إطار التفكير بإجراء تعديلات جوهرية على التسوية. وهذا يحصل بناء على نتائج الانتخابات النيابية التي يعتبر التيار الوطني الحر أنه حقق انتصاراً فيها، مقابل تراجع تيار المستقبل. ما يعني أن ثمة ثمناً يجب على الحريري دفعه، طالما أنه منح العودة إلى رئاسة الحكومة.
لذلك، بدا واضحاً في الأيام الماضية الكلام عن تشكيل حكومة أكثرية أو إسقاط تكليف الحريري. وهذا كله كان في إطار الضغط على الحريري لفرض مزيد من الشروط عليه، ودفعه إلى التراجع والتخلي عن مطالب القوات والاشتراكي. هذا من الناحية السياسية العامة، أما في المضامين فهو ينطوي على تحجيم صلاحيات رئيس الحكومة بالفعل، وإن لم يكن بالإعلان والدستور. يردّ الحريري على ذلك برفض منطق تشكيل حكومة أكثرية، لكن منذ بداية المفاوضات الحكومية كانت شروط عون وباسيل محصورة بهذا المطلب، وإن مواربة، وذلك من خلال مطالبتهما بالحصول على 12 وزيراً و10 لحزب الله وحركة أمل وحلفائهما.
يجد الحريري نفسه محاصراً بالمطالب. والأهم أنه محاصر أمام خيار سياسي أقل ما يقال فيه إنه كأس مرّ، وهو إعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا. وهذا ما أكده عون أمام زواره، وما أكده باسيل علانية. وهو موقف متقدم يتلاءم إلى حدّ بعيد مع طروحات حزب الله. وهو موقف يستند إلى متغيرات سياسية وميدانية في المنطقة ككل. لذلك، بالنسبة إليهم ما كان صالحاً قبل هذه التطورات، لم يعد صالحاً بعدها. ولا بد من تغيير جوهر التسوية، لمصلحة منتصر ومهزوم لا يخسر موقعه لكنه يكون ملحقاً بالمنتصر. وكأن هناك من يريد أن يقول للحريري إن الطريق إلى تشكيل الحكومة، ليست بتوزير طلال ارسلان وتحجيم القوات وتوزير السنة المعارضين، بل الطريق إلى السراي تمرّ بتطبيع العلاقات مع سوريا، والعودة إلى حضن النظام، أو إعادة فعاليته إلى لبنان، من التجارة والمعابر إلى ملف اللاجئين.
يستند التيار الوطني الحر في تدعيم مواقفه، على نوع من تمنين الحريري بإعادته رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة. وكأن التيار يقول للحريري إن نتائج الانتخابات طالما يضع نفسه في صف جعجع وجنبلاط، لا تسمح له بأن يكون رئيساً مكلفاً لأنه لا يمتلك مع هذا الثلاثي الأكثرية اللازمة. لذلك ترتكز مواقف التيار على مبدأ تذكير الحريري بضرورة ردّ الجميل. ورد الجميل هنا يعني الالتزام بشروط عون وباسيل لتشكيل الحكومة. ويستذكر التيار رد حزب الله للجميل بانتخاب عون رئيساً للجمهورية على وقوفه إلى جانبه في حرب تموز. وكأن الحريري ناكر الجميل، في ما فعله عون وباسيل لإعادته من السعودية، وإعادة تكليفه برئاسة الحكومة. بالتالي، عليه رد الجميل بالالتزام بالشروط. ويلوّح عون بخطوات تصعيدية ما لم يحسم الحريري مسألة التشكيل خلال أسبوع. لا شك أن هذه أساليب ضغط على الحريري، لكن إذا ما لجأ عون إلى مثل هذه الخطوات، فحينها يعني أن الانقلاب سيتوسع.