إلى ثكنة عسكرية تحوّلت مساحة 3 كلم2, ما صعّب على زائر بعلبك الهرمل تعداد الحواجز الأمنية الثابتة والمتحركة المتمركزة على طول الطرقات العامة والفرعية وعند مفترق كل القرى المتعددة في المنطقة.
أما زحمة السير التي تسبق كل حاجز بكيلومترات باتت سيدة الموقف، يرافقها تفتيش وتدقيق بالأوراق الرسمية للنساء والرجال على حدٍ سواء. ويمكن القول ومن دون الوقوع في فخ المبالغة إن الرحلة من بيروت إلى الهرمل تحتاج إلى ما يقارب 4 ساعات.
شهرٌ انقضى على انطلاقة الخطة الأمنية في بعلبك الهرمل التي عُرفت بخطة "إسقاط الرؤوس"، وعلى عكس بداياتها، تستمر واضعةً أمامها عددا من الأهداف لتنفيذها بعيدا عن الاعلام، بحسب ما يؤكد مصدر امني لـ"ليبانون ديبايت".
ويلفت المصدر إلى أن الخطة مستمرة بالتدريج، عبر الحواجز والمداهمات، ولا وقت محدد لإنهائها، واللقاءات مستمرة مع عشائر وفعاليات المنطقة عبر مدير المخابرات علي عواركة.
يعلق نائب بعلبك الهرمل وليد سكرية على الخطة الأمنية، واصفاً إياها بالمثمرة، "لا مشاكل ولا خضات أمنية منذ البدء بالخطة". ويتمنى "أن يدوم هذا العمل، كي لا نعود لما كنا عليه".
وللنائب عن بعلبك الهرمل أيضاً أنطوان حبشي مقاربته المختلفة للخطة الأمنية، وإن كان يشدد في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" على شكر الأجهزة الأمنية على مجهودها الخاص الذي تقوم فيه لضبط الوضع الأمني في المنطقة.
ويرى حبشي أن تكرار الخطط الامنية في بعلبك الهرمل وإن كان قد خفف من عمليات الخطف والسرقة والفلتان الأمني لكنه لم يكن يوماً علاج صالح لأمن المنطقة، ذلك لأن الدولة تدخل البقاع الشمالي في ظروف وأوقات محددة عندما تتصاعد الصرخة، وبعد فترة يعود الوضع لما كان عليه. "حتى أن الناس الذين يستشعرون الأمن يرون في الخطة قمعاً لهم، لأن الدولة غير موجودة في بعلبك الهرمل اقتصاديا واجتماعيا وإنمائياً، وليست سقفاً للمواطنين".
ويسأل عن الإفادة التي يمكن أن تأتي بها الخطة الامنية التي يُعلن عن بدئها قبل أيام بأكبر حملة تسويق، ما يشكل بطريقة غير مباشرة صافرة إنذار لهروب واختباء أخطر المطلوبين.
ويضرب حبشي على سبيل المثال لا الحصر أمثلةً تدلّ على عدم وجود الدولة الفعلي في بعلبك الهرمل، إذ إن منطقة مساحتها تساوي ثلث مساحة لبنان وعدد القضاة المكلفين فيها لا يتجاوز أصابع اليد، وإن كان أحد أبناء المنطقة لديه مشكلة في القضاء لا يعلم متى يمكن حلها، وحتى لو أخذ حكماً قضائياً في دعوى معينة لا أحد يمكن أن يضمن له قدرة القوى الأمنية على تطبيق الحكم.
ويذهب في حديثه إلى تأثير الأمن على الإنماء، مشيراً إلى أن نبع اليمونة المفترض أن تستفيد 40 في المئة من مياهه منطقة معينة و60 في المئة منها لأخرى، يتم حرمان الأولى من المياه. ويطالب الأهالي القوى الأمنية بوضع حاجز على النبع لتوزيع المياه بشكل عادل، إلا أن الأخيرة ترفض ذلك بحجة ظروف أمنية خاصة، وكذلك بالنسبة لنبع اللبوة.
ويتابع حبشي بسرد التفاصيل التي تؤكد تخلي الدولة عن بعلبك الهرمل، إذ انها لم تعوض على المزارعين الذين تضررت مزروعاتهم منذ أكثر من شهر ونصف، ولا تحمي المزارع البقاعي من المضاربة الحاصلة بسبب تهريب المنتجات الزراعية من سورية إلى لبنان والتي تحرمه من تصريف منتجاته، وبالتالي من لقمة عيشه. ولم تعوض على أهالي رأس بعلبك بسبب الفيضانات الأخيرة وأصحاب المسامك المتضررة في الهرمل.
ويختم حبشي وملامح القهر على مصير منطقته وأبنائها بدت واضحة في نبرة صوته، وهي التي قلما سُمع مثيلاً لها من قبَل ممثلي بعلبك الهرمل: "على الدولة أن تعود لبعلبك الهرمل وتكون هي المرجع في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والزراعية، لا في مجال واحد، لأن الإنماء هو البوابة الأولى لأمن البقاع".