بعد نحو شهرين من تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة لم تخرج القوى السياسية المعنية بالطبخة الوزارية بعد من مربّع تحديد الأحجام. الجميع يفاوض على «العدد» فيما تشكّل المعركة الموازية على الحقائب «وجعة رأس» أكبر للرئيس المكلّف!
 

يقدّم النموذج الجنبلاطي فكرةً عمّا ينتظر «التكليف» من مزيد من الألغام. بات مؤكّداً أنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب السابق وليد جنبلاط لن يسمح بشراكة «إرسلانية» أو محسوبة على «المير» ضمن حصته الثلاثية، لكن ما يبدو أكثر تعقيداً جولة التفاوض الشاق على نوعية الحقائب التي ستُسند هذه المرة لفريق «زعيم المختارة» في الحكومة المقبلة.


تجيير حقيبة الصحة باكراً لوزير من «حزب الله» صعّب المهمّة على «البيك» الذي يريد إسنادها مجدّداً الى الوزير وائل أبو فاعور.


وزارتان هما التربية ووزارة دولة لحقوق الإنسان شكّلتا حصة جنبلاط في الحكومة السابقة، لكنّ رئيس الحزب «الاشتراكي» جاهر باكراً «لن نقبل بالفتات بعد الآن، لا بالعدد ولا بالحقيبة»!


وزارة التربية في ميزان المختارة ليست فتاتاً لا بل حاجة، لكن في مداولات الكواليس طالب «الاشتراكي» بوزارتين أساسيتين هما: الصحة والزراعة، أما الوزير الدرزي الثالث فلا مانع لدى جنبلاط بإسناد حقيبة دولة اليه. حصّة جنبلاط بالحقائب لم تُحسم بعد، وأوساطه تؤكّد «لن يكون تشدّدنا في موضوع الحقائب أخفّ وطأة من معركة الأحجام، لكن حتى الآن لم نصل بعد الى مرحلة فرز الحقائب».


نموذج آخر يعكس النزاع الذي يتبلور تدريجاً حول الحقائب. طوال شهرين غابت هوية المفاوض عن حصة «تيار المرده» في الحكومة. حتى «حزب الله» نفسه بدا غيرَ معني بـ «تحصيل حقوق» السنّة العشرة في الحكومة. دعاهم فقط الى التكتل ضمن فريق موحّد ما يسهّل عميلة فرض توزيرهم، لا أكثر من ذلك. وبالتأكيد، لن يطرح معادلة وزير سنّي من 8 آذار وإلّا لا حكومة!ّ


لكن منذ البداية، وقبل أن يُعمّم معيار وزير لكل أربعة نواب، تبلّغ المعنيون بكواليس التفاوض بأنّ حصة «تيار المرده» (ثلاثة نواب) محفوظة وغير قابلة للنقاش: وزير مسيحي داخل «حكومة العهد».


لاحقاً، «تكودَر» الحلفاء ضمن «التكتل الوطني» الذي ضمّ: طوني فرنجية، فايز غصن، اسطفان الدويهي، فيصل كرامي، جهاد الصمد، فريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني. فارتففع سقف المطالب: وزير مسيحي وآخر سنّي.


يتصرّف «المرده» من منطلق أنّ التوزير السنّي ضمن «التكتل» مرتبط حكماً بالأزمة الاوسع المتعلقة بالعقدة السنّية، وقد ترك «التكتل» للنائبين كرامي والصمد حرية التنسيق مع السنّة الثمانية الآخرين لناحية حسم مسألة السنّي الثاني الذي يمكن أن يشكّل رقمَ 2 بعد الوزير السنّي الذي حسم باكراً لمصلحة رئيس الجمهورية.


لكنّ نوعية الحقيبة المفترض أن تذهب الى «المرده» لم تُحسم بعد. منذ البداية أظهر النائب السابق سليمان فرنجية، عبر حلفائه، تشدّداً في الاحتفاظ بحقيبة الأشغال التي تُعتبر إحدى أكثر الحقائب «جاذبية» لكافة القوى السياسية.


وفي حال حصول ممانعة قوية لهذا المطلب ترك فرنجية مجالاً ضيّقاً للتفاوض: الأشغال أو الطاقة.


وبما أنّ «التيار الوطني الحر» حجز سلفاً الحقيبة «السيادية» الخامسة، بنظره، من ضمن حصته فإنّ الأشغال تُعتبر بِعُرف فرنجية «تحصيلاً حاصلاً»، خصوصاً أنّ «المرده» حاول في البداية جسّ النبض حيال حقيبة الاتصالات لكنّ الجواب أتى من بيت الوسط سلبياً حيث يتمسّك الحريري بالحقيبة التي سيسندها الى رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد شقير.


وفق المعلومات، حصة «المردة» بالحقيبة والوزير المسيحي تلاقي دعماً من طرفين أساسيّين هما الرئيس بري و»حزب الله»، في ظلّ عدم ممانعة الحريري بإسناد «الأشغال» الى فنيانوس الذي تربطه برئيس الحكومة علاقة جيدة. أما جنبلاط فيعلم جيداً أنه في ظلّ «عهد» يقاسمه على حصته الدرزية لا يملك ترفَ فتح معركة على وزارة شغلها سابقاً وزيره ومستشاره غازي العريضي على مدى نحو أربع سنوات ضمن ثلاث حكومات.


وفيما تبدو مشاركة حزب «الكتائب» أو «القومي» في الحكومة غير محسومة حتى الآن، فإنّ تمثيل «المرده» غير قابل للتفاوض. لكنّ فرنجية يعتمد، كما الحكومة الأولى في بداية العهد، إستراتيجية «إنتزاع» المقعد الوزاري والحقيبة بخلاف الحكومات السابقة التي كان يقبل فيها «بما يتبقّى من حقائب»، على حدّ تعبير أوساطه.


أخيراً وصل الى مسامع فرنجية مناخ متشدّد من جانب الوزير جبران باسيل بشأن رفض إسناد حقيبة الأشغال لـ «المردة» كونها من الحقائب الـ «سوبر» خدماتية، وفي معيار باسيل أنّ مَن يمثّل 7% في الانتخابات النيابية لا تحقّ له حقيبة بهذا الثقل.


«القوات»، من جهة أخرى، تحارب على جبهة «الحقائب» السيادية وعينها على «الأشغال» أيضاً، لكنّ مسارَ التفاوض ليس لمصلحتها. أما «جِهاد» معراب للحصول على إحدى الحقيبتين السياديتين الخارجية أو الدفاع فسينتهي، وفق مطّلعين، بنيلها وزارة العدل!


بهذا المعنى، معركة «المرده» على «الأشغال» ستندلع قريباً. فبقاء أطراف النزاع في مربّع الخلاف على الأحجام أخّر فعلياً الكباش على الحقائب. تقول أوساط «المرده» «نحن نتمسّك بمطلبنا. حلفاؤنا الى جانبنا، وحتى الحريري لا يمانع وجنبلاط أيضاً». دَرَج العرف عند «المرده» بتغيير الوجوه الوزارية عند كل حكومة، لكن لم يُعرف بعد هل سيلتزم فرنجية به في حال بقاء الأشغال من حصته. العارفون يجزمون «الأشغال... يعني فنيانوس». مع ذلك، القرار الأخير لفرنجية.


طوال ولاية الحكومة الحالية وحتى آخر جلسة لمجلس الوزراء قبل دخول مدار تصريف الأعمال، لم يفلح ضغط الوزير فنيانوس في إدراج سلسلة تعيينات في وزارة الأشغال على جدول الأعمال، خصوصاً تعيينات مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس. الشواغر بالعشرات، والعدد الأكبر من الموظفين يمارسون مهامهم بالوكالة. عملياً، وقف باسيل في وجه أيّ تعيين غير محسوب على «تياره» أو العهد بانتظار انتقال الحقيبة الى «الفريق البرتقالي».