أسبوع ثالث على التوالي (منذ 9 تموز/ يوليو الجاري) تدخله تظاهرات المحافظات الجنوبية، فيما لا تزال الحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي عاجزة عن تقديم حزمة متكاملة من إصلاحات يُستطاع من خلالها استيعاب الفورة الشعبية، المطالِبة بتأمين الحدّ الأدنى من خدمات التغذية الكهربائية والمائية، فضلاً عن خلق فرص عمل للشباب، وإيجاد رؤية واضحة لمكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، التي تحتل المرتبة التاسعة عالمياً على هذا الصعيد.
التظاهرات المستمرة، والتي بلغت ذروتها السبت الماضي، يُتوقّع أن تتخذ مساراً تصاعدياً في الأيام القليلة المقبلة، وسط حديث عن «تظاهرة ضخمة» أُعلن تنسيقها مع القوى الأمنية، لحماية المحتجين من جهة، ودوائر الدولة ومكاتب الأحزاب من جهة أخرى، بهدف منع وقوع أي خرق، خصوصاً أن الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية تشير إلى وقوع عشرات الضحايا والإصابات على مدى الأيام الماضية. وفي هذا السياق، أعلنت «المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان»، أمس، مقتل 13 متظاهراً خلال الاحتجاجات المستمرة في بغداد والمحافظات الجنوبية. وذكر البيان أن «13 متظاهراً قُتلوا منذ انطلاق التظاهرات لغاية يوم الأحد»، لافتاً إلى أن 729 شخصاً آخر أصيبوا بجروح (من دون أن يُحدِّد طبيعتها)، 460 منهم من منتسبي القوات الأمنية». وأضاف أن الأخيرة أقدمت على اعتقال 757 متظاهراً، أُطلق سراح غالبيتهم خلال اليومين الماضيين، في وقت تعرّض فيه 91 مبنىً حكومياً وسكنياً، فضلاً عن السيارات، لأضرار لم يوضح البيان حجمها.
في المقابل، تركن السلطات العراقية إلى الصمت إزاء الأرقام الصادرة بشأن ضحايا الأسابيع الماضية، في ظل عجز العبادي عن القيام بأي خطوات إصلاحية حقيقية، باستثناء تقديمه طعناً في قانون منح النواب السابقين امتيازات مالية ومعنوية على نحو مخالف للقوانين، وفق بيان مكتبه، الذي أكد أن رئيس الوزراء طعن لدى المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد) في قانون «امتيازات النواب» (شرّعه البرلمان قبل حلّه)، مطالباً بإيقاف العمل به. القانون الذي صدّقه رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، الأربعاء الماضي، أثار بلبلة زادت من حدة الغضب على الطبقة السياسية الحاكمة، ولا سيما أن بعض مواده تتعلق بتوسيع حصانة النواب السابقين، وهو ما يتعارض مع مطالب المحتجين، الداعية إلى ضرورة محاكمة هؤلاء على تقصيرهم في تمثيلهم النيابي. العبادي حاول أن يتماشى في طعنه مع الشارع، بهدف استيعاب النقمة عليه، إلا أنه ــ حتى الآن ــ بدا عاجزاً عن ذلك، بالتوازي مع عجز القوى السياسية هي الأخرى عن إيجاد مخرج للفراغ المخيّم على مؤسسات الدولة، والذي يزيد ــ بدوره ــ من عمق الأزمة الحالية.
«التيار الصدري»، الساعي إلى الاستفادة من تداعيات الأزمة، أعلن من خلال «تحالف سائرون» تعليق حواراته حول الكتلة النيابية الأكبر، وتشكيل الحكومة الجديدة، مع جميع الأطراف السياسية، حتى تنفيذ مطالب المتظاهرين، وفق القيادي محمد رشك، الذي أشار في تصريح صحافي إلى أن «الصدر أوعز بتعليق الحوارات، حتى تنفيذ مطالب المتظاهرين، وتحالف سائرون علّق كافة حواراته مع الأطراف السياسية»، مضيفاً أن «ليس من المعقول الانشغال بالحوارات السياسية وتقسيم المناصب والكراسي، والعراقيون لديهم مطالب مشروعة لحقوقهم التي من المفترض أن توفرها الحكومة».
وما يزيد المشهد تعقيداً الحديث عن أن حوار الكتل مرتبط بانتهاء «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» من العد والفرز اليدوي لأصوات الناخبين في الصناديق المطعون في نتائجها، رغم اعتقاد تلك الكتل بأن «النتائج ستكون متطابقة 100%». وفي هذا الإطار، أعلن المتحدث باسم «المفوضية»، ليث جبر، «انتهاء عملية إعادة العدّ في مراكز الاقتراع التي وردت بشأنها شكاوى وطعون في محافظة كربلاء»، لافتاً إلى أن «نتائج 14 محافظة من أصل 18 جاءت مطابقة بنسبة 100%».