بدت علاقات الموارنة بالنظام السوري تعيسة وسيئة ومتوترة ومتحاربة في محطات كثيرة وعبر مراحل من تاريخ لبنان حتى ورث المسيحيون كرهاً لسورية الأسد على وجه الخصوص ودون مؤنة زائدة لمعرفة أسباب هذا الكره التاريخي لنظام دائماً ما يمدّ يده ليسرق لبنان من اللبنانيين .
في كتاب لجوزيف أبو خليل حول العلاقات المسيحية بسورية يشير الكتائبي المخضرم الى ما ذكرت من كره متوارث بين المسيحيين للنظام السوري عن علم وعن غير علم لدى الأغلبية العظمى من المسيحيين وهذا ما دفعه الى البحث عن منشأ هذه العلاقة المأزومة مع سورية التي عارض المسيحيون سيطرتها على لبنان منذ إتفاق الطائف وبقوّة لا مثيل لها بحيث رفضت القيادات الحزبية المعتبرة في الوسط المسيحي والماروني تحديداً مبايعة سورية والرضوخ لشروط سيطرتها على لبنان .
يبدو أن على الكتائبي المخضرم إعادة النظر في علاقات المسيحيين بالنظام السوري والموارنة بشكل خاص لأن التجربة اللبنانية شهدت علاقات أكثر من طبيعية بل استراتيجية ما بين المسيحيين ونظام الأسد وخاصة في المحطات الكبرى والتي تستهدف بنية المصالح المشتركة وهذا ما يعكس سلامة في العلاقة التي تشهد وشهدت توترات وحروباً ولكنها شهدت أيضاً مستوى رفيعاً من العلاقات الجيدة والتي حفظت وجود المسيحيين في لبنان ودور الموارنة في السلطة ، وهنا يبرز مثال الحرب الأهلية والتي حشرت الفصائل المارونية المقاتلة في حيّز جغرافي ضيق وكادت أن تحسم الحرب لصالح الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية لولا تدخل جيش الأسد الذي أعاد للموارنة وللمسيحيين ما فقدوه بالحرب من توازن بل ومن غلبة على أحزاب الحركة الوطنية وعلى التمدّد الفلسطيني وهذا ما ثبّت النظام الطائفي الآيل للسقوط لولا تدخل سورية لحماية المسيحيين بتكليف وتفويض اقليمي ودولي .
عملت سورية طيلة سيطرتها على لبنان على حفظ النظام الطائفي الذي يحفظ دور المسيحيين وقاتلت كل من قال بتغيير النظام وكرّست حرّاساً لهذا النظام وهم الأحزاب الطائفية التي دعمتها وغذّتها سورية في وجه الأحزاب الوطنية والعلمانية وهذا ما جعل من النظام الطائفي في لبنان من أقوى الأنظمة المستعصية على التغيير كونه يستمد شرعيته من مكوناته الطائفية .
إقرأ أيضًا: بوتين شارون سورية
لا يمكن حصر مساهمات سورية في حفظ دور الموارنة والمسيحيين في مثال واحد فثمة أمثلة كثيرة تؤكد حرص سورية على المسيحيين رغم ما أصاب علاقاتهم ببعضهم البعض من سنين عجاف إلاّ أنها في الجوهر علاقات ذات مصالح مشتركة تفرض عليهم في الأزمات الكبرى الوقوف الى جانب بعضهم البعض كما وقف حافظ الأسد الى جانب المسيحيين في السبعينيّات لحظة انهيار المشروع الماروني وبداية سقوط آخر محور لهم في جبل لبنان . وكما يقف المسيحيون اليوم الى جانب النظام السوري ورفضهم المباشر لسقوطه رغم أن بدايات الأزمة في سورية قد فرزت مؤيداً ومعارضاً لسقوط النظام وكان التيّار الوطني الحر حليف النظام والكتائب و القوّات من حلفاء المعارضة حتى أن المؤسسات الدينية لم ترغب في سقوط النظام ولم تؤيد سياسات البحث عن بديل لنظام بشار الأسد وكانت تشويهات المعارضة السورية بحق المسيحيين في سورية والتي ارتكب نصفها النظام كافية كيّ تُرعب المؤسسة الدينية من دعوات إسقاط نظام الأسد .
بعد الحرب انضم المسيحيون جميعاً الى دعوات حفظ نظام الأسد وهذا ليس غريباً عن التيّار الحرّ الذي يسرع باتجاه ملاقاة النظام رغم أن الموقف الرسمي في لبنان على قطيعة مع النظام تلبية لمواقف الجامعة العربية ولرغبة فريق لبناني يرى في نظام الأسد عداوة لاحدّ لها للبنان السيادة والحرية والاستقلال .
كما أن الكتائب والقوّات اللبنانية قد أمسكوا يد التأييد للمعارضة السورية والتفوا حول سياسات دعم النظام فباتت المعارضة في نشراتهم إخبارية إرهاباً وبات نظام المستبد الأسد الجيش العربي السوري الذي يحرّر من المتطرفين الأراضي التي احتلوها وهذا ما أكدّ دور الحزبين في اعتماد السياسات المؤيدة للنظام والتبرأ من سياسات التأييد للمعارضة .
من هنا لا يمكن اعتبار أن ما بين نظام الأسد و المسيحيين والموارنة تحديداً عداوة قديمة عائدة الى زمن قيام الكيان في لبنان على حساب سورية بل هناك علاقات قوية نظراً لعمق المصالح التي جعلت من الدور المسيحي في لبنان ضرورة سورية ومن نظام الأسد ضرورة مارونية وقد فضح لبنان مقولة السوريين بأن لبنان كان يحمي دائماً المعارضات السورية ويأوي من يريد شرّاً بسورية ومنه تٌبعث روائح المؤامرات كما كانت تصرح سورية باستمرار فتبيّن أن لا معارضة سورية في لبنان بل من له صلة بعيدة بفصيل سوري يعتقل مباشرة ولا يوجد في لبنان من يتآمر على سورية بل جميع اللبنانيين "أسديون " أكثر من السوريين .