دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة في اجازة جديدة مع سفر الرئيس المكلف سعد الحريري الى اسبانيا، ومغادرة الوزير جبران باسيل الى الولايات المتحدة الأميركية لتبقى المهمة بين أيدي المفاوضين من الصف الثاني الذين يراوحون مكانهم، ويسعون الى تبريد الشارع من خلال إشاعة الأجواء الإيجابية التي ليس لها اَي أساس على ارض واقع التشكيل.
حتى الان ما يزال الجدار الحكومي مسدودا، لا بل ان ثمة متاريس ترفع يوميا لتدعيمه، في ظل تنامي المواقف المتشنجة والعالية النبرة وتمسك كل طرف بمطالبه مسيحيا ودرزيا وسنيا.
لم يعد خافيا على أحد تمسك جبران باسيل الى ابعد الحدود بالحصول على الثلث الضامن في الحكومة، فالرجل يسعى الى الاستفادة من العصر الذهبي الذي يعيشه ليكون الآمر الناهي حكوميا، وليتمكن من قطع طريق قصر بعبدا على كل منافسيه، فضلا عن المهمة الاساسية وهي فرض أعراف جديدة تقلص من صلاحيات رئيس الحكومة، وربما يكون الصمت المريب لبعض الأطراف هو للاستفادة من ذلك في حال حصوله، والانقضاض على الطائف برمته والدعوة الى استبداله بدستور جديد من حلال مؤتمر تأسيسي بدأ الحديث عنه همسا في بعض الأروقة السياسية.
من الواضح ان الرفض القاطع للرئيس سعد الحريري لهذه الصيغة وبالتالي إعطاء باسيل 11 وزيرا مع حصة عمه رئيس الجمهورية، وتحصن الحريري برؤساء الحكومات السابقين وفي مقدمتهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي يشكل خط الدفاع الاول اليوم في لبنان عن الطائف وعن صلاحيات رئاسة الحكومة، ادى الى توتر العلاقة بين الحريري وباسيل الذي عبر اكثر من مرة عن امتعاضه من تأخير التشكيل ومحاولته رمي الكرة في ملعب الحريري لإحراجه ودفعه الى القبول بالأمر الواقع، علما ان معلومات اشارت الى ان لقاء الحريري وباسيل في مجلس النواب لم يكن إيجابيا، وجاءت تصريحات باسيل الاستفزازية بعده لتترجم مضمونه.
وطبعا فان طموح باسيل يجعله يصر على رفض إعطاء القوات اللبنانية حصة تتناسب مع حجم تمثيلها النيابي، ما يرفع من منسوب التوتر وصولا الى تهديد تفاهم معراب الذي لم يتوان باسيل عن نعيه، الامر الذي يضع الشارع المسيحي على فوهة بركان دفعت بعض المصلحين لا سيما الكاردينال بشارة الراعي الى التدخل لتبريد الأجواء ومحاولة جمع باسيل مع الدكتور سمير جعجع في لقاء تدوير زوايا وتنازلات متبادلة، لكن هذا اللقاء ما يزال في علم الغيب. وربما تجعله المواقف التصعيدية المستمرة مستحيلا.
في غضون ذلك يبدو النائب السابق وليد جنبلاط اكثر تمسكا بثلاثيته الضامنة، حيث يصر على ان تكون الحصة الوزارية الدرزية كاملة من حصته، ما يمكنه من التحكم بمصير الحكومة التي قد تفقد ميثاقيتها في حال قرر جنبلاط قلب الطاولة والاستقالة، وهو امر يرفضه باسيل جملة وتفصيلا، كونه يريد لهذه الحكومة ان يكون عمرها من عمر العهد، ولا يريد لأي كان ان يهدد وجودها او ميثاقيتها.
يضاف الى ذلك العقدة السنية في ظل ما يتسرب عن مقربين من بيت الوسط بان الحريري يصر على ان تكون الحصة السنية كاملة لتياره، الامر الذي قد يجعله يواجه معارضة سنية شرسة.
امام هذا الواقع تعبر مصادر سياسية مطلعة عن تشاؤمها حيال وصول الحكومة امام الطريق المسدود، وهي ترى ان لا مخارج في الأفق خصوصا ان ما يطلبه باسيل لا يمكن ان يبصر النور لان احدا لا يمكن ان يقبل بان يتسلم مفتاح السراي الكبيرة، كما ان الحريري لا يمكن ان يحتمل صيغة حكومية تعطي باسيل الثلث الضامن، لان ذلك قد يعرضه لغضب سعودي اقليميا، والى انقلاب قواتي عليه محليا، في وقت يعمل فيه الحريري على اعادة احياء فريق الرابع عشر من آذار ضمن الحكومة الى جانب القوات والاشتراكي.