جولة الاتصالات الجديدة التي أجراها الرئيس المكلف لم تنتج بعد صورة واضحة حول سبل تشكيل الحكومة، أو بحدها الأدنى رسم خطوطها العريضة، ناهيك عن موعد الإعلان عنها، ولغاية الآن لايوجد ما يشتت ضباب الأسئلة، وسط سلسلة من المخاوف والهواجس أن تطغى الحرتقات السياسية الجانبية، ومنها على سبيل المثال السجال بين النائب جميل السيد وحركة "أمل"، إلى ما ينعكس سلباً على الأجواء الداخلية، خصوصا وأنه يلوح في الافق منذ فترة ما يؤشر بتحضير "انقلاب" الهدف منه إحراج الرئيس المكلف سعد الحريري وإخراجه، بمعزل عن إذا كان مثل هذا "الانقلاب" ممكنا، أو سيكتب له النجاح أم لا.
لم يعد خافيا على أحد أن أصواتا تعلو تارة وتخفت طورا، تبدي في غير مناسبة امتعاضا "ملغوماً" من إقصائها عن التشكيلة الحكومية، ولا تترك فرصة إلا وتصوب على الرئيس المكلف، محملة تبعات التأخير في تشكيل الحكومة إلى الحريري، وصولًا إلى إعتباره بأنه عاجز عن التأليف، مع تلميحات ضمنية تطالبه بالتنحي.
هذه الأصوات وبغض النظر عن وزنها وتأثيرها وإمكانية وصولها إلى مستوى القدرة في إمكانية تمرير مطلبها، وإعادة خلط الأوراق من جديد، لكنها قادرة إلى حدٍ ما على إمكانية تعكير الأجواء، ومن هنا، فإن التأخير في تشكيل الحكومة يتيح لها هامشاً زمنيًا أكبر للاصطياد في الماء العكر، مستفيدة وموظفة للخلافات القائمة بين سائر القوى المعنية، وهي لا تزال تراهن على تطورات إقليمية معطوفة على الداخل اللبناني لقلب الطاولة على الجميع. وليس المقصود هنا النواب السنة من خارج تيار المستقبل، وإنما بعض من قادتهم الصدفة للوصول إلى مجلس النواب عبر الآخرين، والأمر لا يقتصر على بعض هؤلاء فحسب، وإنما يطاول نواباً من مختلف الطوائف وصلوا إلى ساحة النجمة كتابعين بلوائح وكتل نيابية، وهؤلاء حكماً خارج المشاركة في الحكومة العتيدة.
إقرأ أيضًا: ممارسة شدّ حبال حكوميًا… فهل تُعبّد سياسة اللقاءات طريق التأليف؟
لكن يبقى وراء الأكَمَة ما ورائها وهناك من يحن إلى "وصاية" ما، يرصد ويتابع ويستفيد من كل سانحة ليس للتصويب على الرئيس الحريري، وإنما ليسدد على الواقع السياسي اللبناني المأزوم أساسًا، على قاعدة "ومن بعد حماري ما ينبت حشيش" بعض المصادر القريبة من قصر بعبدا أفادت أن الرئيس المكلف أرسل إلى بعبدا صيغةً حكوميةً ثلاثينية جديدة، لا تختلف في الجوهر عن سابقاتها مع تدوير بعض الحقائب، إذ راعت على حساب الرضى العوني مطالب حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ، لم يحتاج رئيس الجمهورية ميشال عون لأكثر من دقائق حتى يرد الصيغة للحريري شاكراً إياه على جهوده المبذولة في هذا الإطار.
أما سبب الرفض فهو إسناد حقيبة سيادية يريدها عون من حصته، وهي وزارة العدل للقوات إلى جانب ثلاث وزارات أخرى قبل أيام أبلغ وزيرٌ مقرب من العهد أن ساعة الصفر التي سيضرب فيها الرئيس ميشال عون على الطاولة اقتربت، "وهي الساعة التي ستأتي في حال لم تبصر الحكومة النور خلال أسابيع، لأننا لن نقبل بأن يؤثر تأخر التشكيل على استقرار البلد "وتتقاطع معلومات جديدة حول هذا التصريح، إذ تشير أوساط سياسية إلى أن الرئيس عون يتوجه نحو التصعيد في ما يخص مباحثات التشكيل الحكومي، وذلك بمظلّة من حزب الله، الذي شجّع الرئيس على القيام "بما يراه مناسباً" على أن يشمل هذا التصعيد توجيه رسالة من الرئيس إلى مجلس النواب يدعو فيها لجلسة مناقشة أسباب وخلفيات تأخير تشكيل الحكومة، وهي "صيغة لا تُلزم المعني فيها، اي الرئيس المكلف، بالمباشر بأي مادة دستورية، بل بالمعنى الأخلاقي والعرف السياسي لتطبيقها، أي تسريع التشكيل. على أن يكون التصعيد رسالة للحريري ومرجعيته السياسية،أي السعودية، التي تحاول التلاعب بعداد الحكومة اللبنانية"، علماً أن التصعيد بحسب المصادر يشمل منح الرئيس المكلف مهلة للتأليف أقصاها ايلول المقبل،"لأن عون لن يقبل الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية للعهد من دون حكومة"، وبالتالي لا يمكن أن تتشكل الحكومة بأي صيغة كانت من دون موافقة رئيس الجمهورية الذي تعود له الكلمة الفصل دستورياً، أما الاستشارات النيابية فهي غير ملزمة للرئيسين المكلف والجمهورية ولا شيء يلزمهما بالاستجابة لمطالب الكتل النيابية."