قد تضطر إيران إلى مغادرة محمياتها في العراق ولبنان واليمن وسوريا في محاولة منها للتظاهر بتفاعلها الإيجابي مع الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة من أجل ألا تبدأ في فرض عقوباتها الاقتصادية.
خطوة الاضطرار تلك لن تكون نافعة في شيء بالنسبة لحاضر تلك البلدان التي صارت تتعثر بين ولاية الفقيه وتجييش المجتمع من خلال تسليحه وثقافة الموت المشبعة بروائح قبور الأولياء الصالحين.
عبر عقود نجحت إيران في اختراق الجسد العربي وفخخته بسمومها الطائفية وأحالته إلى مختبر لتجاربها في العزف المنفرد على شعارات كان أبرزها “الموت لإسرائيل. الموت لأميركا” فيما كانت تدرك جيدا أنها تقوم في الحقيقة بتقديم أعظم خدمة لإسرائيل من خلال تمزيق العالم العربي وشحن مجتمعاته بفايروسات الكراهية.
لم تفعل إسرائيل بالعرب ما يوازي أو يساوي ما فعلته إيران بهم. كان الدور الذي لعبته إيران في المنطقة مبهجا لإسرائيل، فبالمقارنة بين ما فعلته إسرائيل في أوقات سابقة وما تفعله إيران اليوم يمكن الحكم بالغلبة للأخيرة.
لقد هزمت إيران المجتمعات العربية من داخلها في حين لم تنجح إسرائيل إلا في إلحاق الهزيمة بجيوش عربية، كان من اليسير عليها أن تستعيد قدراتها ومعنوياتها لتستعد لجولات تالية.
كان الدور الذي لعبته إيران أكثر لؤما وخبثا، ذلك لأنه هطل من الداخل إمكانية أن تقف المجتمعات العربية عند خط شروع واحد في مواجهة العدو الإسرائيلي، بل تجاوز ذلك إلى زرع الفتنة بين صفوف الشعب الواحد. الأمر الذي أدى إلى أن يتوزع ذلك الشعب بين طوائفه وقبائله ليفقد القدرة على النظر بطريقة موحدة إلى جهة بعينها.
لم تعد إسرائيل هي العدو الوحيد للعرب، لأن إيران أرادت ذلك حين تحوّلت تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية إلى مصدر تهديد وجودي، ليس من الصعب تخيل تأثيره على المصير العربي.
فعلت إيران كل ذلك من خلال ميليشياتها المسلحة التي موّلتها ودعمتها وجعلتها تفتعل حروبا مدمرة، كما هو حال حزب الله في لبنان أو تدخلها طرفا في حرب دولية ضد الإرهاب كما هو حال الحشد الشعبي في العراق أو تنسف من خلالها شرعية حكومة كما هو حال الحوثيين في اليمن. لذلك فإن إيران إن عزمت على الخروج من لبنان فإنها ستخلف حزب الله هناك الذي سيكون بالتأكيد أشد حرصا على تنفيذ الأجندات الإيرانية من الإيرانيين أنفسهم.
بالقوة نفسها فإن إيران ستكون متأكدة من أن وجودها في العراق لن يتأثر بخروجها منه وذلك من خلال ثقتها بأن الحشد الشعبي سيحرص على مصالحها كما لن يفعل الحرس الثوري الإيراني لو أنه ملك زمام الأمور في العراق.
قد يبدو المشهد في اليمن وسوريا أقل سوادوية. فإن انسحبت الميليشيات الموالية لإيران من مواقعها هناك فإن إيران لن تظل مهيمنة عن طريق وكلائها، وهو ما لا يمكن الرهان عليه في الوقت الحاضر. لذلك فإن قطع الطريق على إيران هو المطلوب. وهو ما يجب أن تعمل عليه شعوب البلدان المنكوبة بالتدخل الإيراني.
لقد صار واضحا أن لا غد لشعوب المنطقة في ظل هيمنة عملاء إيران على مصائر بلدان، صار يُنظر إليها باعتبارها مناطق أمامية لدفاع إيران عن نفسها. إيران وعملاؤها هما الشيء نفسه.
لذلك فما لم يتحرر العراق من قبضة الأحزاب الدينية الموالية لإيران وما لم يُنزع سلاح حزب الله في لبنان وما لم يتم إسقاط الانقلاب الحوثي بشكل نهائي فإن إيران ستظل تمارس دورها الشرير في المنطقة حتى وإن لم تكن مهيمنة بشكل مباشر على الأوضاع في الدول الثلاث.
خطر إيران على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة لا ينحصر في مخططها التوسعي فحسب بل في مشروعها الطائفي الذي صارت له أذرع اكتسب البعض منها نوعا من القبول الدولي الصامت كما هو الحال في العراق.
وهو ما يدعوني إلى التأكيد مرة أخرى على أن خروج إيران من العراق لا يكفي لكي تستعيد المنطقة عافيتها.
المطلوب عمليا البدء بمحو الآثار التي ترتبت على التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية في السنوات الماضية.