أولاً: عقد التأليف مُوطّنة عند الوزير باسيل...
عُقد التأليف الحكومية المستعصية ما زالت برغم كلّ ما يُقال ويُشاع عند وليّ عهد القصر الرئاسي الوزير جبران باسيل، ولم تنفع تطمينات الرئيس المكلف خلال الشهرين الماضيين بقُرب التأليف، ولا نفعت التسهيلات التي زعم الفريق الشيعي أنّه قدّمها، وأنّه على استعدادٍ لتقديم المزيد، ولم تنفع (للأسف طبعاً) زيارة الدكتور جعجع للقصر الرئاسي ولقائه فخامة رئيس الجمهورية، وتصريحاته بعد الزيارة التي أكدت تمسُّكه بالعهد والتّسوية الرئاسية، وفوق ذلك التزامه باتفاق معراب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، الاتفاق الذي يحرص رئيس التيار على خرقه كلما سنحت له سانحة وفرصة. كما لم تنفع لقاءات الحريري-باسيل في باريس وآخرها في المجلس النيابي، ولم تنفع لاحقاً زيارة جعجع لرئيس الحكومة المكلف، ووضع بعض التنازلات الممكنة (قواتياً) في عهدته، كما أنّ من المؤسف طبعاً أن تذهب صلوات وابتهالات غبطة البطريرك الراعي بإنجاز التأليف هباءً (قال جعجع للبطريرك ستطول صلاتك).
ما زالت العُقدة المستحكمة عند الوزير باسيل، الذي صرّح بأنّه يمتلك وحده ناصية التيار الوطني وكتلته البرلمانية، وهو الذي يقول من يحظى بمقعد وزاري ومن يُحرم منه، وهو الذي وزّع المقاعد المسيحية فخصّص لتياره ورئيس الجمهورية أحد عشر مقعداً وزارياً، تاركاً للقوات أربعة مقاعد، دون أن ينسى مقعد حليفه الدرزي طلال أرسلان، في حين أُوكلت لحزب الله على ما يبدو مهمة المطالبة بمقعد وزاري للمعارضة السُّنيّة، ما يزيد الأمور تعقيداً ودراماتيكية.
ثانياً: الفساد والقثّاء...
فقد الشعب اللبناني الثقة بالرئاسات الثلاث، أمّا الثقة بالمجلس النيابي فمفقودة منذ زمن بعيد، وحكومة إعادة الثّقة أضاعت ما تبقى من أملٍ أو مستقبل مع هذه الطُّغمة الحاكمة، الإدارة العامة فاسدة، القضاء ينخرُه الفساد، البيئة في أسوأ أحوالها، المصارف والهيئات الاقتصادية في حالة مزرية، لا يوجد سوى الفساد، تجده أنّى توجّهت وحيث حللت، كأنّنا بتنا في "الدايسة"، وقد عرّف الدايسة أحد الحمقى المعروف بأبي سعيد الرفاعي فقال: "أمّا الدنيا فهذه التي أنتم فيها، أمّا الدايسة فهي دارٌ بائنة من هذه الدار، لم يسمع أهلها بهذه الدار ولا بشيئٍ من أمرها، إلاّ أنّه قد صحّ عندنا أنّ بيوتهم من قثّاء، وسقوفهم من قثاء، وأنعامُهم من قثاء، وهم في أنفسهم من قثاء، وقثاؤهم أيضاً من قثاء".
ها نحن في الدايسة التي نحياها ليل نهار، فساد في فساد، حتى أنفسنا من فساد، وفسادنا أيضاً من فساد. لأنّ القثاء من القثاء، فلا عجب في ذلك.