خمسٌ وخمسون يوماً على تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تشكيل الحكومة، ولا زالت الأخيرة عالقة في عنق زجاجة المحاصصة المشكوك بأمرها، ولا تزال العقد تنسج من عقباتها خيوطاً تكبّل مسار التشكيل وتكبّل في طريقها وعلى طريقتها الرئيس المكلف.
إلى ذلك، يتوجّه الحريري إلى اسبانيا وبعدها إلى لندن قبل ان يعود مطلع الاسبوع المقبل لاستئناف عملية التشكيل. وترى أوساط سياسية عاملة على خط التأليف في سفرات الحريري المتكررة دلالة على درجة البرودة التي وصلت لها المشاورات الحكومية أخيراً، مقابل ارتفاع حدة تقمص قوى سياسية رئيسية شخصية المعطّل.
ومع ذوبان آخر حبات التفاؤل الذي يقتصر تخييمه على بيت الوسط، يكثر البحث عن حلول تنقل حكومة لبنان من مرحلة تصريف الأعمال لمرحلة العمل الجدي وسط تحديات اعترف بها المعطلون وتعالت مصالحهم الشخصية عن تخطّيها.
يجزم مرجع دستوري أن الحل الوحيد لتخطي تعثر التشكيل يكمن في مبادرة من رئيس الجمهورية ميشال عون، على اعتبار أن صلاحية إصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء تعود له وحده، وفقاً للفقرة 4 من المادة 53 من الدستور. على أن تتضمن هذه المبادرة الطلب من الرئيس المكلف عرض تشكيلة عليه تنال الأكثرية، بغض النظر إن كانت تحظى بإجماع وطني أم لا.
لكن المحلل السياسي الياس الزغبي لا يرى في هذا الطرح حلاً لأزمة التشكيل الحكومي، بل يذهب أكثر من ذلك، ويجزم باستحالة حصوله مهما طال عمر التأليف. ويؤكد في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" أن أخطر ما كشفته مسألة تشكيل الحكومة في الأيام القليلة الماضية عن أنها وضعت تحت الشمس مخططا عن نية فريق 8 آذار ومعهم رئاسة الجمهورية وتكتل "لبنان القوي" الواضحة لعرقلة تشكيل حكومة وحدة وطنية، بهدف بلوغ حكومة أكثرية، أو "حكومة سليمانية" كما يفضل الزغبي تسميتها. نسبة إلى تصريح قائد فيلق القدس الشهير قاسم سليماني الذي قال فيه إن "حزب الله حصل على أكثرية 74 نائبا في مجلس النواب".
ويلفت الزغبي إلى أن "النية بذلك واضحة ومنذ لحظة تكليف الحريري بدأت تتبلور بشكل خفي، وقد عبر عنها بالدرجة الأولى وقبل سواه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي. وقد كُشفت في التسريبات التي تقول إن رئيس الجمهورية يتوجه للضغط على الحريري ليقدم تشكيلة أكثرية يستبعد فيها أحزاب التقدمي الاشتراكي، والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، ويُسمح فيها ببضعة وزراء للحريري على أن تكون أكثرية الثلثين لمصلحة 8 آذار مع تكتل العهد".
محاذير عدة تحول دون فرض تطبيق هذه الصيغة، وهي كما يفصّلها الزغبي: "تحذيرات دستورية"، إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يفرض على الرئيس المكلف تشكيلة معينة، بل الحريري هو الذي يشكل الحكومة ويعرضها على الرئيس الجمهورية. أما "المحاذير السياسية"، فهناك استحالة في لبنان بحسب تركيبته ومكوناته السياسية والطائفية تحديدا في أن يكون هناك حكومة اكثرية بصبغة واحدة، لا سيما أنه كان للبنان تجربة فاشلة جدا في هذا الإطار عبر حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي.
ويؤكد أن الحريري ليس الرئيس المكلف الذي له أن يقبل بحكومة فئوية مهما تأخر التشكيل واشتد التهويل عليه، وفي حال فعل هذا سيكون كمن يطلق النار على قدميه، لأنه سيسقط شعبيا وسياسياً. وهو ليس وحده في هذ المجال بل يستند على قوى سياسية حية فاعلة جدا كالقوات والاشتراكي ومستقلين كثيرين، لم يقبلون بهذا الطرح لأن 8 آذار لم تقبل بحكومة أكثرية لـ14 آذار عندما كانت الأخيرة تحصل على 72 و73 نائباً في المجلس النيابي. علما أن لا اكثرية شرعية لـ8 آذار اليوم بل أكثرية مستجمعة من هنا وهناك وليست ثابتة. كما أن الحريري يحظى بدعم دولي وإقليمي وعربي يزيد من استحالة مثل هذا الطرح، بحسب الزغبي.
وبالتالي، إما القبول بحكومة وحدة وطنية، وبالتوازنات التي حملها الحريري ويحملها من فترة إلى أخرى إلى بعبدا، وإما أن يكون مصير عجلات التشكيل "مراوحة طويلة الأمد" لن يكون أمام تعطيلها رابح أو خاسر، بل سيكون الجميع، بغض النظر عن المحور السياسي الذي ينتمون إليه والأجندات الخارجية التي يعملون على أساسها، أمام خسارة موجعة لوطنٍ ضاقت حصصه الوزارية الكثيرة بأطماع أقطابه التوسعية.