مرة أخرى، ملف النازحين، هو أبرز عنوان يتابعه الغربيون وخصوصاً الاوروبيون في لبنان، نظراً لصِلته بأمن دولهم، ونظراً لكون ملف النزوح السوري هو محل سجال اوروبي ـ اوروبي داخلي، على نتائجه يتوقف استمرار ائتلافات حكومية في غير دولة اوروبية، وخصوصاً في المانيا الدولة التي تشكّل شراكتها مع باريس في هذه اللحظة نقطة الثقل السياسي داخل اوروبا القلقة من التحولات الديموغرافية في داخلها والدولية حولها.
حينما زارت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل بيروت أخيراً، رافقها كظلها، خلافاتها مع الحزب الشريك لها في الائتلاف الحكومي حول موضوع النازحين واللجوء في المانيا. وبهذا المعنى فإنّ ميركل جاءت الى لبنان الذي يستضيف مليوني نازح سوري وربع مليون لاجئ فلسطيني، لتحصل منه على نتائج مطمئنة لالمانيا في هذا الملف، ما يسهّل عليها بقاء ائتلافها الحكومي صامداً، ولم يكن همها كيف يحصل لبنان منها على مساعدة لتأليف الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال عون، أو حكومة التسوية الرئاسية الثانية الحريرية.
وحينما زار الديبلوماسي الاميركي المسؤول عن ملف لبنان في الأمم المتحدة أخيراً، لم يفتح أمام محدثيه اللبنانيين ملف لمَن سيكون «الثلث المعطل» في الحكومة العتيدة، بل عرض أمامهم خرائط تنفيذ القرار 1701 لمناسبة التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب الذي يستحق الشهر المقبل، وضغط بمقدار محسوب لتعيين قائد فنلندي لهذه القوات مكان الايطالي الذي عادت واشنطن وقبلت بتعيينه، إستجابة لتمنّي الامين العام للامم المتحدة.
وخلال لقاءات قائد الجيش العماد جوزف عون في الولايات المتحدة أخيراً، تابع موظفو البنتاغون ووزارة الخارجية كل إشارة منه تطمئنهم الى أنّ الجيش الروسي الذي أصبح على بعد كيلومترات قليلة من الحدود اللبنانية، لن يستغل هذا الإمتياز لإمرار بروتوكول التعاون العسكري اللبناني ـ الروسي الذي تنجح واشنطن في إحباط تنفيذه.
وفي الإتحاد الاوروبي، لم تلحظ الديبلوماسية اللبنانية المعنية بملف لبنان مع اوروبا، جدية في اهتمام الإتحاد بالشوط الذي قطعته مساعي الحريري لتأليف الحكومة. إذ بدلاً من ذلك، ينصَبّ اهتمام الإتحاد في الآونة الأخيرة على إعلان تضامنه مع «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» العاملة في لبنان، وذلك في مواجهة ما يسمّيه الإتحاد الاوروبي «التهجّم» الذي تمارسه السلطات اللبنانية ضدها.
وخلال زيارة مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية لبنان قبل نحو اسبوعين، تحدث نظرياً عن ضرورة تأليف الحكومة التي عليها مواجهة العبء الاقتصادي والبحث في الاستراتيجية الدفاعية. ولكن هذا المسؤول صرفَ معظم وقته بزيارة مطار رياق العسكري، مُركّزاً على البحث في مستقبل التعاون القائم منذ سنوات بين بريطانيا ولبنان لإنجاز تأمين الحدود اللبنانية - السورية في سنة 2020. كذلك اهتمّ بزيارة مخيم للنازحين السوريين وإبداء اللوم البريطاني لبيروت، لأنه تحمّل مسؤولية ملف النازحين في لبنان للجانب الخطأ (أي المفوضية العليا للاجئين)، بينما عليها تحميل النظام السوري المسؤولية عن تكدّس نحو مليوني نازح في لبنان!.
ومن مجمل هذه الوقائع يُستفاد الآتي:
ـ أولاً، دول القرار في العالم تخوض مع لبنان في هذه المرحلة حواراً حول عناوين ذات صلة بترتيبات تجريها في المنطقة من أجل أمنها، فيما الترتيبات الجارية لتأليف الحكومة العتيدة هي في درجة متأخرة من سلّم أولويات مبعوثيها الى لبنان. وما يهمّ العالم، وخصوصاً اوروبا، من لبنان في هذه اللحظة هو كيف تدير الدولة اللبنانية ملف النازحين، وهل أنّ إدارتها هذه، تمنع تسرّبهم الى اوروبا، ولا تتسبّب بإثارة ضغط دولي حول عدم أخلاقية تعاطي العالم مع هذا الملف؟.
ـ ثانياً، يتفاعل حالياً ملف النازحين في لبنان، بصفته «اختباراً غربياً» لأهلية العهد دولياً، وذلك بعيداً عن شكل الحكومة التي ستنتج عن الانتخابات النيابية. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ«الجمهورية»، فإنّ أحدث نقاش بين لبنان والأوروبيين (الذين هم الأكثر اهتماماً بملف النازحين في لبنان نظراً لتأثيراته المباشرة على دولهم)، أثمر بعض التطورات شبه الايجابية على مستوى مدى تَقبّل المجمتع الدولي لحملة العهد في شأن بدء مسار إقناع النازحين السوريين بالعودة على مراحل الى بلدهم. فالاوروبيون ما عادوا في المطلق ضد «تجربة» حملة الإقناع الجارية في لبنان لإعادة النازحين، طالما أنّ أعداد العائدين بموجبها هي فئات صغيرة، وطالما أنّ النازحين العائدين قبلوا تحمّل مسؤولية قرارهم بالعودة، ولكن كل هذه «التجربة» لا تزال لدى الاوروبيين والمجتمع الدولي تخضع لشرط اجتياز اختبارين حتى تصبح مقبولة دولياً بكاملها: الاول، هو معرفة ما سيحصل لهؤلاء النازحين بعد عودتهم الى سوريا؟.
ويقول الاوربيون: «لنرَ كيف ستسير أمورهم بعد عودتهم، وكيف ستكون جاهزية الدولة السورية لاستيعابهم ومدى الحماية التي ستمنحها لهم؟ وفي ضوء معرفة الاجوبة عن كل هذه الاسئلة يتمّ الحكم على «التجربة اللبنانية». والإختبار الثاني، هو بقاء أعداد العائدين ضمن الارقام الصغيرة، بحيث لا تصبح عودة شاملة من خارج توقيت الامم المتحدة وإشرافها، وأن يتزامن ذلك مع إثبات لبنان أنه قادر ضمن تواصله مع دمشق للتنسيق في ملف النازحين على إقناع السلطات السورية بإلغاء القانون الرقم عشرة الذي يرفضه المجتمع الدولي.