يسأل كثر عن حقيقة موقف «حزب الله» من أزمة تأليف الحكومة اللبنانية والتأخر في ولادتها، وسط تعدد القراءات لتوجهاته، خصوصاً مع حليفه الاستراتيجي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، أو حيال الرئيس المكلف تشكيلها سعد الحريري.
وتلاحظ مصادر متابعة لاتصالات تأليف الحكومة أن الحزب يتجنب اتخاذ المواقف العلنية المنحازة إلى فريقي الخلاف حول الحصص والأحجام داخل الحكومة، وهو ما عبرت عنه كلمة الأمين العام السيد حسن نصر الله الأخيرة وكذلك البيانات الصادرة عن كتلة «الوفاء للمقاومة» الداعية الى «التزام ما أفرزته الانتخابات النيابية» والكلام عن «ضياع المعايير» واستعجال الحكومة ومراعاة الشراكة الوطنية... وكانت لافتة دعوة كتلة نواب الحزب الأسبوع الماضي «الجميع الى ضرورة إبداء المرونة الكافية وعدم الانغلاق داخل حسابات المكاسب التكتيكية الفئوية او الخاصة التي تخلّ بالتوازن الوطني المطلوب وتستجيب لمطالب متضخمة لدى بعض الجهات على حساب المشاركة الضرورية لجهات أخرى لها حجمها التمثيلي كَبُرَ أو صغر».
وترى أوساط متتبعة لموقف «حزب الله» أنه يستخدم في أدبياته عبارات ترضي تارة أحد طرفي الصراع الدائر حول الحصص الحكومية وأخرى يمكن أن تفهم على أنها انحياز ضمني للفريق المقابل. ويقول سياسي بارز لـ «الحياة» إن من الطبيعي أن يتجنب الحزب الانغماس في السجال الدائر حول الأحجام بين حليفه «التيار الوطني الحر» والرئيس عون من جهة، وبين حزب «القوات اللبنانية من جهة ثانية، مدركاً كما قال رئيس البرلمان نبيه بري أن العقدة الأساس هي في التمثيل المسيحي، ولذلك هو يترك للأخير أن يفاوض باسمه لتفادي هذا السجال، بعد أن حصل على وعود بأن يتولى أحد وزرائه الثلاثة الذين سيسميهم حقيبة خدماتية وتحديداً وزارة الصحة.
القراءتان الأبرزان لموقف الحزب لدى الأوساط السياسية، وفق مصادر متعددة، تتلخصان بالآتي:
1 - الحزب يأخذ موقف المتفرج على الصراع الدائر على الساحة المسيحية لأنه يعطيه هامش مناورة في العلاقة مع هذه الساحة. ويعتبر أصحاب هذه القراءة أن الصراع حول الأحجام يتيح للحزب أن يستفيد من زوايا عدة منها:
- أنه يترك لحليفه الوزير باسيل أن يسعى إلى إضعاف تمثيل «القوات» التي كان انزعج من تحالف «التيار» معها منذ تفاهم معراب، بعدما حققت تقدماً واضحاً في تمثيلها النيابي، نظراً إلى الخلاف البعيد المدى معها حول المشاركة في الحرب في سورية واليمن، وحول الموقف من الوضع الإقليمي والضغوط على إيران والحزب نفسه عبر العقوبات والإصرار الأميركي على انسحابهما من الميدان السوري.
- على رغم الحديث عن استعجال الحزب تأليف الحكومة، فإنه ضمنا قد يكون في وضعية انتظار ما ستسفر عنه التسويات الدولية للوضع الإقليمي، والتقارب الأميركي الروسي، ليبني على الشيء مقتضاه. وهنا يذكّر البعض بأن الحزب لم يكن تاريخياً كثير الاهتمام بالآثار الاقتصادية السلبية للتأزيم السياسي، طالما أن الذي يتحمل عبء التعقيد غيره.
- إن تصعيب الأمور على الرئيس الحريري سيجعله في حاجة إلى التسويات أكثر وبالتالي يدفعه إلى تقديم التنازلات، لا سيما في موضوع تمثيل النواب السنة غير المنضوين في كتلة «المستقبل»، وبعضهم مقرب من الحزب.
- إن رفض مطالب «التيار الحر» من الحريري و «القوات» ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط سيجعل الوزير باسيل يرتمي في أحضان الحزب أكثر ويتطابق معه في الموقف من القضايا الإقليمية، بدليل التناغم بينه وبين الحزب في مسألة النازحين السوريين وعودة الحياة السياسية بين لبنان وسورية كما قال قبل أيام. هذا فضلاً عن أن الرئيس عون انحاز إلى موقف إيران في خلافها مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي أثناء لقائه موفد الرئاسة الإيرانية حسين جابري الأنصاري الإثنين الماضي. وتفسر مصادر لصيقة بمفاوضات التأليف اقتراحات باسيل بأن يحصل «المستقبل» على 5 وزراء و»القوات» على 3 و «الاشتراكي على 2 (ما مجموعه 10 وزراء) بأنه احتياط مسبق منه إزاء حصول الفرقاء الثلاثة على الثلث المعطل (11 وزيراً) حتى لا يتمكن هذا الثلاثي من تعطيل أي قرار يتخذ في مجلس الوزراء حول العلاقة مع سورية...
2- القراءة الثانية تخالف الرأي المذكور وفقاً لمعطيات غير فريق سياسي كالآتي:
- إن «حزب الله» أبلغ مباشرة وعبر الرئيس بري كلاً من الرئيس الحريري و «القوات» أن من حق الأخيرة المطالبة بحصة أكبر في الحكومة استناداً إلى الانتخابات، فضلاً عن أن بري أكد لقياديين فيها مرات عدة هذا الموقف قائلاً: «لا ينسبنّ أحد إلينا (أمل والحزب) أننا ضد تولي «القوات» حقيبة سيادية أو ضد حصولها على الحصة التي تستأهلها بعد الانتخابات».
- أن الحزب ليس في أجواء عرقلة مهمة الحريري وهو لا يرى بديلاً منه في رئاسة الحكومة حتى يوكل إلى فريق حليف عرقلة مهمته. وقال أحد من يتولى قنوات الاتصال بين الحريري والحزب لـ «الحياة»، إن هذا الموقف تبلغه الرئيس المكلف، الذي لديه خطوط تواصل للتشاور مع قيادة الحزب حول أزمة التأليف.
- إن الحزب ليس مرتاحاً إلى إصرار «التيار الحر» على (6 أو 7 وزراء) زائد حصة رئيس الجمهورية (5 أو 4) ما يعني الحصول على الثلث المعطل في الحكومة كفريق منفرد، قافزاً فوق تحالفه مع الحزب الذي بالتفاهم معه يمكنه تأمين هذا الثلث إذا كانت هناك حاجة لتعطيل قرار ما. وهذا يتسبب بالريبة مما يبغيه باسيل من وراء ذلك ويجعله يتبرم من الشروط العالية السقف.
- أن الحزب على رغم عدم ممانعته تمثيل الوزير طلال أرسلان في الحكومة فإنه أبلغ فريق جنبلاط أنه يتفهم وجهة نظره بحقه في حصر التمثيل الدرزي بمن يسميهم هو.
- أنه تناغم في كثير من المواقف في الحكومة المستقيلة مع «القوات»، على رغم الخلاف الاستراتيجي معها، ومع جنبلاط، وكان آخر العناوين الذي حصل فيها ذلك موقفه النقدي من مرسوم التجنيس.
وينتهي مصدر سياسي واسع الاطلاع على تفكير الحزب إلى القول إنه يرصد في الوقت نفسه مدى تأثير المواقف الغربية على عملية التأليف من زاوية الاحتجاج على توليه حقيبة خدمات.