"أنا الرئيس المكلف"... قالها رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري للمرة الثانية، لكن في ظرف مختلف، ولشخص مختلف. الرسالة مبطنة هذه المرة والمُرسل إليه مجهول الهوية، أو أراده الحريري أن يكون كذلك.
في المربّع الأول لا زالت محركات التشكيل الحكومي تدور، وإن كانت نار المحاصصة المسيحية المسيحية قد هدأت افتراضياً، ولملمت معارك المختارة ــ ميرنا الشالوحي ذيولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في هدنةٍ غير معروف بعد موعد تعليقها. العقد، وبحسب مصادر متابعة لملف التشكيل الحكومي، لا تزال تسيطر على المشهد الحكومي، أما ما يُشاع من موجات تفاؤل فهي لم تتخطَ حدود بيت الوسط.
تنقل المصادر نفسها لـ"ليبانون ديبايت" أن الرئيس المكلف أرسل خلال الساعات الأخيرة إلى بعبدا صيغةً حكوميةً ثلاثينية جديدة، لا تختلف في الجوهر عن سابقاتها مع تدوير بعض الحقائب، إذ راعت على حساب الرضى العوني مطالب حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي.
لم يحتاج رئيس الجمهورية ميشال عون لأكثر من دقائق حتى يرد الصيغة للحريري شاكراً إياه على جهوده المبذولة في هذا الإطار. أما سبب الرفض فهو إسناد حقيبة سيادية يريدها عون من حصته، وهي وزارة العدل للقوات إلى جانب ثلاث وزارات أخرى.
قبل أيام أبلغ وزيرٌ مقرب من العهد "ليبانون ديبايت" أن ساعة الصفر التي سيضرب فيها الرئيس ميشال عون على الطاولة اقتربت، "وهي الساعة التي ستأتي في حال لم تبصر الحكومة النور خلال أسابيع، لأننا لن نقبل بأن يؤثر تأخر التشكيل على استقرار البلد".
وتتقاطع معلومات جديدة حول هذا التصريح، إذ تشير أوساط سياسية إلى أن الرئيس عون يتوجه نحو التصعيد في ما يخص مباحثات التشكيل الحكومي، وذلك بمظلّة من حزب الله، الذي شجّع الرئيس على القيام "بما يراه مناسباً".
على أن يشمل هذا التصعيد توجيه رسالة من الرئيس إلى مجلس النواب يدعو فيها لجلسة مناقشة أسباب وخلفيات تأخير تشكيل الحكومة، وهي "صيغة لا تُلزم المعني فيها، اي الرئيس المكلف، بالمباشر بأي مادة دستورية، بل بالمعنى الأخلاقي والعرف السياسي لتطبيقها، أي تسريع التشكيل. على أن يكون التصعيد رسالة للحريري ومرجعيته السياسية، أي السعودية، التي تحاول التلاعب بعداد الحكومة اللبنانية"، بحسب المصادر.
علماً أن التصعيد يشمل منح الرئيس المكلف مهلة للتأليف أقصاها ايلول المقبل، "لأن عون لن يقبل الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لعهده من دون حكومة". وهي المهلة التي جاء انتفاض الحريري الثاني السابق ذكره "أنا الرئيس المكلف" رداً عليها.
وللتعرف أكثر على أسلحة عون الدستورية التي يمكن أن يشهرها في معركة التشكيل، كان لـ"ليبانون ديبايت" حديثاً مع رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، الذي يؤكد أن إصدار مرسوم تشكيل الحكومة بعكس ما هو متعارف عليه، إذ يصدره رئيس الجمهورية بحسب الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء.
وبالتالي لا يمكن أن تتشكل الحكومة بأي صيغة كانت من دون موافقة رئيس الجمهورية الذي تعود له الكلمة الفصل دستوريا، أما الاستشارات النيابية فهي غير ملزمة للرئيسين المكلف والجمهورية، ولا شيء يُلزمهما بالاستجابة لمطالب الكتل النيابية.
وعن إرسال رسالة لمجلس النواب، يقول مرقص ان الأمر جائز دستوريا بمقتضى المادة 53 الفقرة 10 من الدستور، التي تنص على جواز أن يوجه رئيس الجمهورية عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النواب، ويرى مرقص في هذه الخطوة وسيلة ضغط غير مباشرة لأن الكرة ليست في ملعب مجلس النواب بل لدى الرئيس المكلف.
ويرى أن الحل الدستوري لتعثر التشكيل، طالما أن صلاحية إصدار المرسوم تعود لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، يكون باتخاذ رئيس الجمهورية المبادرة ويطلب من الرئيس المكلف، وفقاً لقاعدة توازي الأشكال، عرض تشكيلة عليه تنال الأكثرية وليس بالضرورة أن تحظى بإجماع وطني. كون الأخيرة تجعل من التشكيل متعثراً، ومن الحكومة مجلس نواب مصغر، حيث تنعدم المساءلة والمراقبة لعدم وجود معارضة.