بدون إنذار مسبق أو مقدمات مطلوبة لإعلان الثورة الشعبية ضدّ السلطة الفاسدة، مشى العراقيون لا نحو المراقد والمقابر كما علمتهم أقدام المستفيدين من بقاء العراقيين مخدرين بدين المذهبية والطائفية وكما قال لهم أبو هريرة الشيعي من أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان للتبرّك من الأحجار التي تطعمهم دون عمل وتمدهم بالطاقة وهم نيام على أبواب العتبات المقدسة وتمنحهم ما يتمنون من حياة فانية من جاه ومال وبنين وبنات وهم سكارى بعشق الحسين سلام الله عليه وقال لهم أبو هريرة العربي والفارسي اتركوا متاع الدنيا فما عند الله أبقى ولا تسألوا عن ماء سوف يكون لكم عند شهاداتكم أنهاراً من لبن وعسل ولا عن كهرباء مادام زيت الإيمان يضيء ويشتعل من شجرة مباركة ومن جباه مترّبة سجدت لله ولم ترفع رأسها حتى يأتي أجلها كما فعل من قبل أبو تراب أمير المؤمنين الذي يغشى عليه من الموت كلما سجد سجدة الخروج من الدنيا الى الآخرة.
لقد خدّر أبو هريرة العراقيين وأمات فيهم كل حيّ لذا ماتوا عن حقوقهم وعن خدماتهم وعن أعمالهم وباتوا من المتسوّلين لدنياهم على أبواب الجنّات ولهذا سقط العراق في أنفاق النفاق الذي أكل من لحم كل عراقي وجعل منه مجرد خرقة بالية وسقطت الدولة لصالح الميليشيات وسقطت السلطة لصالح المحاصصة وسقطت الثروة لصالح أميركا و إيران ولصالح سماسرة السياسة من حزب الدعوة الى آخر مسؤول حزبي طالته نعمة السلطة.
لم يكن تنظيم داعش وحده الخطر الذي نسف العراق وهدّه وهدمه بل ثمّة دواعش أخرى أكثر فتكاً بالعراق وتأتي السلطة السياسية في المقدمة كونها مهدت الطريق وعبّدته أمام الإرهاب و أمام الطامعين والطامحين بالعراق وثرواته وخيراته فتمّ نهبُه وسرقته حتى قيل في العراق بأنه أغنى دولة و أفقر شعب.
إقرأ أيضًا: قطر وحماس تتوسلان إسرائيل لفكّ الطوق
وحده السيد مقتدى الصدر لم يدخل مغارة الدعوة ولم يقاسم الثروة مع من تمادى في حكم العراق ولم يستفد من المال الحرام لا كونه يخاف الله بل لأنه ابن العراق، ابن الثورة التي دفع أثمانها العراقيون على فترات طويلة من الاستعمار البريطاني الى حكم البعث ولأنه واحد من الشعب يتقاسم معهم رغيف البؤس وشظف الحياة ولأنه مثلهم عراقي أصيل لا يقبل بهوية أخرى غير الهوية العراقية ولا يقدم الاسلام الفارسي على الاسلام العربي ولا يذوب في هوى مصالح غير مصالح العراق لأنه وطني بامتياز ولا تستسيغه القومية ولا الاسلاموية تماما كما هو المواطن الذي لا يستبدل ثوبه الوطني ومهما كان خشناً بأثواب أخرى ومهما تصورها أنها من حرير لأن خشونة الوطن أفضل من حرير ظاهره ناعم وباطنه شوك قاتل.
ليس عن عبث خرج العراقيون ولأيام متتالية لتأديب السلطة التي أمعنت في تحقير العراقيين من خلال جعلهم بؤساء باسم الدين والمذهبية والطائفية والعصبية البغيضة والحروب المفتعلة والتي باعت العراق لمن طرد داعش وجعلت منه بطلاّ دون قوّة بطلاً مصنوعاً من الوهن والوهم.
وليس عن طريق الصدفة قامت قائمة العراقيين ضدّ الفاسدين والمفسدين من قيادة الدعوة ذات السمعة السيئة من أولئك الذين حكموا وأفسدوا وجاؤوا بالدواعش من خلال تجربة حكمهم الفاشلة وقد حاول العبادي تصحيح الخلل القائم لكنه أعجز عن مواجهة حيتان إخوته في حزب الدعوة وحاول أن يعيد للسطة دورها لكنه لم يفلح فالسلطة عاجزة عن مواجهة سلطويات أقوى منها بكثير.
وجاءت الانتخابات النيابية كتحدٍ لإرادة المتربصين بالعراق شراً ولكنهم تمكنوا من التشكيك بنتائح الانتخابات التي أفرزت قوّة الشعب في مقتدى الصدر وهذا ما دفع بالشعب العراقي الى نُصرة الانتخابات النيابية ونتائجها المقبولة رغم ما شابها من عيوب من خلفية التظاهر ضدّ إكراه الناس على البؤس وقد رفع العراقيون شعارات مقتدى الصدر في السياسة وفي التنمية وفي النظافة وفي المحاسبة وكانت قبضة العراقيين قوية وقد شدّت وبقوّة على أعداء العراق من الحرس الإيراني الى المارينز الأمريكي الى قيادات حزب الدعوة ومن سلك مسلكهم في تيئيس العراقيين لتسهيل السيطرة على العراق الغني بثرواته الطبيعية والبشرية.