حين أقرت الولايات المتحدة الاميركية قوانين العقوبات على حزب الله، وفرضت شروطاً على المصارف اللبنانية بضرورة وقف التعاملات المالية العائدة لقيادات في الحزب، جرى التعاطي لبنانياً معها من زوايا ضيقة. وجرى ربطها بالتصعيد السياسي المختص بالشأن اللبناني. يوماً بعد يوم، يتبيّن أن للعقوبات وظيفة بعيدة المدى وأكثر استراتيجية. وما يبيّنها أكثر هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وانتظار دخول عقوبات جديدة قاسية نوعاً ما ضد إيران حيز التنفيذ قريباً.
يعرف الأميركيون قدرة الإيرانيين على اللجوء إلى ساحات ومنافذ أخرى للالتفاف على العقوبات. لبنان موضوع تحت المجهر لأي محاولة من هذا النوع. والإجراءات الأميركية المتخذة هي التي تدفع البعض دوماً إلى التحذير من مخاطر انهيار مالي أو اقتصادي وتدهور وضع الليرة. يُستخدم التخوف من انهيار الليرة في سياق تبرير إقدام لبنان على خطوات خارجة عن السياق المفروض دولياً، وربما تكون مقدّمة لتسلل رؤوس أموال إيرانية هائلة هاربة من العقوبات لتستقر في المصارف اللبنانية، في إطار المساعي الإيرانية للتهرب من العقوبات والالتفاف عليها. وبذلك، يستفيد الإيرانيون من تهريب أموالهم، مقابل استفادة اللبنانيين من ضخ مبالغ تحمي الليرة وترفع الودائع المصرفية.
ليست زيارة المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية مساعد وزير الخارجية حسين جابري انصاري زيارة هامشية. نقل إلى رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة شفهية من الرئيس حسن روحاني بشأن التطورات المتصلة بالاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، والاتصالات التي تجريها بلاده لمعالجة تداعيات القرار الأميركي الأحادي. كذلك، اطلع الموفد الرئاسي الايراني رئيس الجمهورية على المساعي التي تبذلها بلاده للوصول إلى اتفاق سياسي بشأن الازمة السورية، من خلال اللقاءات المتوقعة بين أطراف هذه الازمة.
ويقول متابعون إن هدف ايران هو استقطاب مواقف دولية متعددة لمواجهة الضغط الذي تتعرض له والعقوبات المفروضة عليها. وثمة من يعتبر أن العقوبات القاسية لم تطبق بعد، مثل الحظر النفطي الكامل، وما سيشكله من خطر كبير. ويضرب هؤلاء مثلاً أساسياً حين ذهب الإيرانيون لاقتراض 300 مليون يورو من ألمانيا، ورفض الأميركيون ذلك.
خلال لقائه مع الرئيس نبيه بري كان أنصاري أوضح في مواقفه السياسية. فقد أكد أن الزيارة تهدف إلى شرح الجهود السياسية التي تقوم بها ايران خلال هذه المرحلة مع بقية شركائها في الاتفاق النووي للمحافظة عليه وعلى المكتسبات السياسية والاقتصادية. وأشار إلى تركيز الجهود والمفاوضات السياسية التي تخوضها ايران من أجل مواجهة السياسية الأميركية الأحادية المعتمدة ولمواجهة خروج أميركا من الاتفاق النووي الذي أبرمته ايران مع الدول الغربية والأوروبية ووافق عليه مجلس الأمن الدولي.
وتشير مصادر متابعة إلى أن أنصاري أراد إيصال رسالة ايرانية بشأن المواقف السياسية التي صدرت في الآونة الماضية، وتحدّثت عن اتفاقات لتقويض النفوذ الإيراني في سوريا، ودفعها إلى الخروج مع حلفائها من هناك. وتؤكد المصادر أن الغاية من الزيارة هي تأكيد البقاء الايراني في سوريا وعدم الانسحاب وعدم نضج أي اتفاق روسي- أميركي على حسابها أو حساب نفوذها ووجودها فيها.
يتخوف البعض من احتمال أن تكون هناك مساع إيرانية جدية للالتفاف على العقوبات بالاستناد إلى غطاء سياسي عبر تحشيد هذه المواقف الرافضة للانسحاب من الاتفاق النووي مقابل إيجاد مخارج مالية للتهرب من العقوبات. ويربط البعض هذا الكلام بالتخوف من مساع وايحاءات لتغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بغية الضغط لتحقيق بعض الأهداف، ودفع الحاكم إلى اتخاذ إجراءات تريح الإيرانيين. لكن، في المقابل، ينفي مطّلعون القدرة على اتخاذ هكذا قرارات أو الذهاب إلى تطبيق هكذا إجراءات، لأن الاقتصاد اللبناني لا يحتمل أي مسعى من هذا النوع. السرية المصرفية التي كان لبنان يتغنى بها لم تعد كما كانت، خصوصاً أن لبنان وقطاعه المصرفي تحت المجهر. بالتالي، لن يكون هناك إمكانية لذلك. فيما يعتبر آخرون أن إيران قد تلجأ إلى أسلوب جديد، وهو تفعيل مشاريعها في لبنان وتمويلها، سواء أكان في ما يتعلّق بالكهرباء أو الماء، من أجل إيجاد ثغرات في تهريب الأموال خشية تعرّضها للحجز بموجب العقوبات.