رمت بضعة إشارات أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في الساعات الأخيرة حيال تأليف الحكومة، إلى تأكيد المعيار الرئيسي الذي وضعه لموقعه، كشريك دستوري في التأليف وفي إصدار مرسوم الوزارة الجديدة، وفحواه ربط تمثيل الكتل النيابية والأحزاب بنتائج الانتخابات النيابية، على أنها هي المعبّر الفعلي «الأحدث» عن أحجام القوى السياسية.
لم يكن المعيار نفسه لدى تأليف حكومة 18 كانون الأول 2016، المنبثقة من التسوية الرئاسية التي قادت إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية. على صورة التسوية تلك، كان تقاسم مقاعد أولى حكومات العهد، بما يضمن المشاركة التمثيلية للأفرقاء جميعاً، فلم تكن حكومة الأحجام. مذذاك تحدث رئيس الجمهورية عن فكرة غير مألوفة لدى رؤساء الجمهورية المتعاقبين، وهي أن الحكومة الأولى ليست أولى حكومات العهد. رسم آنذاك زيحاً واضحاً بين مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية ومرحلة ما بعدها. عنى ما توخاه، وهو أن تكون أولى حكومات ما بعد الانتخابات النيابية هي الحكومة الأولى للعهد، وإن على أبواب انقضاء الثلث الأول من الولاية. شرط واحد لم يتغير ما بين حكومتي 2016 و2018، هو الإصرار على حكومة وحدة وطنية. تحت هذا السقف يُنظر الآن إلى الأحجام بعد الأخذ في الحسبان نتائج الانتخابات النيابية.
ما يؤكده رئيس الجمهورية أنه لا يود الاعتقاد بوجود عامل خارجي يحاول عرقلة تأليف الحكومة الجديدة، وهو يقارب التأليف على أن الاستحقاق داخلي، مع معرفته بعلاقات وثيقة تربط أفرقاء لبنانيين بحلفاء إقليميين. مع ذلك، قد لا يكون من باب المصادفة ــــ في نظره ــــ تبدّل نبرة أفرقاء حيال التأليف غداة عودتهم من الخارج ورفع وتيرة الشروط. يجزم عون أنه أقفل أي باب على تدخل خارجي لديه للتأثير في مسار تأليف الحكومة، أو عرقلته أو ربطه بشروط محددة.
يجد أكثر من سبب لإبداء رغبته في استعجال تأليف الحكومة، بعدما أوحت العقبات في طريقها أن الأمر ربما استغرق وقتاً طويلاً، وقد يصل هذا الوقت ــــ قياساً بما خبرته تجارب تأليف الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الدوحة 2008 ــــ إلى موعد بدء السنة الثالثة لولايته، في 31 تشرين الأول المقبل. مع ذلك، لا يوصد رئيس الجمهورية الأبواب، إلا أن الصورة التي يريدها للحكومة الجديدة، الثانية في عهده، تقيم في المعايير الموضوعية والواقعية لأحجام الكتل. وهو مغزى قوله إن لكل فريق أن يطالب بالحصة التي يمثلها فحسب، لا الحصة التي يتخيلها لنفسه.
يُدرج عون استحقاقات شتى أمام المرحلة المقبلة، ليس أقلها قلقه من الوضع الاقتصادي ومواجهة ملف النزوح السوري. لا يتردد في القول إنه يشرف بنفسه على المراحل ــــ وإن المتواضعة ــــ التي ترافق عودة قوافل النازحين السوريين إلى بلادهم. وهو مصر على المضي في هذه الخطة ما دامت تخضع للرغبة الطوعية لهؤلاء في العودة أولاً، وبغية التخفيف التدريجي من الأعباء والأوزار الثقيلة التي يلقيها النزوح على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين منذ عام 2011، خصوصاً أنها بلغت حداً لا يُحتمل، ثانياً.
يقوده التشديد على هذا الشق في ملف النزوح، وإشرافه على عودة الراغبين طوعاً من بين السوريين، إلى تأكيده ضرورة حصول تواصل رسمي بين الدولتين اللبنانية والسورية. لا تواصل مباشراً بينه وبين نظيره السوري بشار الأسد، إلا أن قنوات الحوار مع السوريين سارية ومنتظمة في ملفي النزوح والأمن المرتبط مباشرة بمواجهة الإرهاب. ليس خافياً - بحسب رئيس الجمهورية - أنه كلف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إدارة هذا الشق من الحوار الرسمي بين البلدين، بإزاء ما يرتبط بهذين الملفين. وهو حوار لا يخوض في أي شأن سياسي، إلا أنه أثبت جدواه في كل مرة أوجب حل مشكلة أمنية خصوصاً التعويل على قناة التواصل.
بكثير من الاهتمام، يعلّق عون على استعادة الجيش السوري معبر نصيب عند الحدود السورية - الأردنية في الآونة الأخيرة. يقول رئيس الجمهورية في هذا الصدد: «لإعادة فتح معبر نصيب فائدة مباشرة تعود علينا لإيجاد متنفس، يستطيع اللبنانيون من خلاله إعادة تحريك حركة التبادل التجاري البري المجمدة والمكلفة. مذ أقفل وأقفلت معه المعابر الشرقية لسوريا الموصلة إلى الداخل العربي، أُعطبت ذهاباً وإياباً حركة التبادل التجاري التي سنكون الآن في طور إعادة إحيائها من الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري، ومنه إلى الداخل الأردني من خلال المعبر المستعاد إلى الدولة السورية، للانتقال إلى العراق ودول الخليج العربي».