إنعقد أمس اللقاء الذي كان منتظراً بين الحريري ورئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل، وذلك على هامش جلسة انتخاب اللجان النيابية، وقد تشاورا خلاله في موضوع تأليف الحكومة والعقبات التي تعترضه.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذا اللقاء إنعقد بناء على طلب الحريري ودام نحو عشرين دقيقة، وأبلغ الحريري خلاله الى باسيل انه سيتصل به خلال يومين، وأكد أنه يعمل جاهداً على حلحلة العقد عند الآخرين لتسهيل التأليف.
«لبنان القوي» لـ«الجمهورية»
ووصفت مصادر «التكتل» لـ«الجمهورية» العلاقة بين الطرفين بأنها «جيدة وليست سيئة كما يُصوّر في الاعلام»، مشيرة الى «انّ التواصل بين الطرفين مستمر وهو لم ينقطع أصلاً». وأوضحت انّ «التكتل» قدّم كل الحلول والتسهيلات المطلوبة، وانّ العقدة ليست عنده، كما يجهد البعض في تصوير الأمر، بل انّ «التكتل» يتعرّض مع رئيس الجمهورية لحملات واضحة». واعتبرت «انّ العقدتين الدرزية والسنية هي أكثر تعقيداً من العقدة المسيحية ـ المسيحية»، وشددت على انّ «التكتل» ليس هو من يؤلّف الحكومة بل هو اكبر مُسهّل لدور الرئيس المكلف ولا «فيتو» لديه على إسناد حقيبة سيادية لـ«القوات اللبنانية».
ودعت الحريري الى «اعتماد معيار واضح ومحدد في التأليف، وان يبادر، لا ان يكتفي بجسّ النبض، لتأليف الحكومة». وسجّلت المصادر «محاولات واضحة للدخول على العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف للتخريب عليها»، مؤكدة «انّ كل هذه المحاولات ستبوء بالفشل».
وكان أمين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان قال بعد اجتماع «التكتل»: «للمرة الأخيرة نقول إنّ المبادرة الى إنتاج حلول ليست عندنا، نحن نسهّل، ولا يطالبنا أحد بأكثر من ذلك او يصور في الاعلام انه ينتظر منّا او اننا ننتظر منه. فالدور الأساس للرئيس المكلّف، وإصدار المرسوم يقع على عاتق فخامة رئيس الجمهورية». وأكد أنّ «التكتل» لا يشكّل الحكومة ولا يريد دوراً في المبادرة، ومستعد للقيام بما يطلب منه، وهو يقوم بذلك، ولكن محاولة الإيحاء بأنّ العقدة لدى الوزير جبران باسيل او لدى «التكتل» وبأنه يحاول الاعتداء على أدوار بعمل سلبي هو امر مرفوض وغير صحيح، ونطالب من يقومون بهذه الايحاءات بالإقلاع عنها حتى لا نضطر الى قول أكثر من ذلك».
النازحون ولبنان وسوريا
على انّ الاستعجال السياسي لولادة الحكومة العتيدة، لم يمنع اهتمام الاطراف بمتابعة ملف النازحين السوريين الذين تستعد دفعة جديدة منهم للعودة الى بلادها، ولا بتَتبّع مسار عودة الحياة السياسية بين سوريا ولبنان، حسب ما أعلن وزير الخارجية اخيراً، فيما عَلت أصوات تعارض إعادة «تعويم العلاقات اللبنانية ـ السورية».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «انّ من إنجازات المرحلة السياسية الجديدة انتظام العمل المؤسساتي الذي ما كان ليتحقق لولا استبعاد الملفات الخلافية، وفي طليعتها ملف العلاقة مع سوريا بين وجهة نظر تتبنّى التواصل مع النظام، ووجهة أخرى ترفض هذا الاتجاه جملة وتفصيلاً». وقالت «انّ أحداً ليس لديه مصلحة بعودة الانقسام العمودي الذي يهدد الاستقرار السياسي السائد، فيما يخطئ كل من يعتبر انّ في استطاعته تهريب مسألة خلافية بهذا الحجم أو إمرارها على مراحل، لأنّ اي طرح من هذا القبيل سيواجه بطرح مقابل».
وإذ ذكّرت المصادر «أنّ الخروقات التي شهدتها المرحلة السابقة لسياسة «النأي بالنفس» من زيارات لوزراء لبنانيين إلى سوريا، إلى جولات لبعض قادة ميليشيات الممانعة أدّت في نهاية المطاف إلى استقالة الرئيس الحريري»، سألت: «هل عن طريق المصادفة مثلاً انّ كل محاولات جَر لبنان إلى التطبيع توقفت فجأة على أثر الاستقالة؟ بالتأكيد كلا، كون الأطراف المعنية فهمت الرسالة جيداً على انها لا يمكنها الذهاب بعيداً في هذا الملف».
واعتبرت «انّ ايّ كلام عن عودة الحياة السياسية بين لبنان وسوريا سابق لأوانه، وكل هذا الملف مؤجّل إلى ما بعد انتهاء الحرب السورية وإحلال السلام وقيام الدولة التي تحظى بالشرعية السورية والعربية والدولية، وقبل ذلك نرفض اي بحث في هذا الموضوع، ونشدّد على ضرورة المحافظة على مستوى التواصل القائم اليوم من دون زيادة ولا نقصان، ونعتبر ايّ طرح من قبيل عودة الحياة السياسية استهدافاً لسياسة «النأي بالنفس» والبيان الوزاري والبيان الحكومي الاستثنائي الذي عاد بموجبه الحريري عن استقالته، وكذلك استهدافاً للجامعة العربية والاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب الذي أكد ضرورة التزام لبنان «النأي بالنفس»، وبيان مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية».
وعلى جبهة تأليف الحكومة أكدت هذه المصادر «دعمها دور الحريري وجهوده التي لم تتوقف منذ لحظة تكليفه»، ودعت «جميع القوى السياسية إلى تسهيل مهمته، لأنّ مواجهة التحديات الاقتصادية غير ممكنة إلّا من طريق تأليف سريع يمهِّد لتطبيق خطة الرئيس الحريري الاقتصادية التي وضعها في مؤتمر «سيدر» من أجل بداية نهوض اقتصادي مدخله تأليف الحكومة».
«الكتائب»
وأيّد حزب الكتائب تأليف حكومة من الاختصاصيين والخبَراء الاقتصاديين. وأسفَ مصدر كتائبي عبر «الجمهورية» لـ«غياب الوعي السياسي المطلوب لحجم المخاطر التي يتعرّض لها لبنان سياسياً من خلال التأخير المتمادي في تأليف الحكومة نتيجة الإصرار على استبدال القواعد الدستورية والديموقراطية بالمحاصصات الفئوية». ونبّه إلى «أنّ الاستمرار في هذا النهج سيؤدّي إلى كارثة اقتصادية وإلى انهيار لبنان، وبعد ذلك لا يعود ينفع الندم». وقال: «لقد تسبَّبت المحاصصة السياسية في وصول المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إلى ما هي عليه اليوم، فلماذا لا يتمّ اللجوء إلى خيار حكومة من الاختصاصيين والخبراء الاقتصاديين لمعالجة الأزمات الداهمة وإخراج لبنان من دائرة الخطر قبل فوات الأوان؟»
وتوقّفَ المصدر من جهة ثانية عند تشكيل «حزب الله» لجاناً لإعادة النازحين السوريين، وتشكيل «التيار الوطني الحر» لجنةً حزبية لإعادتهم، وسأل: «أما آنَ الأوان لتضَع الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية يدَها على هذا الملف لمعالجته في الأطرِ الشرعية؟ وأما آنَ الأوان ليستخلصَ أصحاب القرار الرسمي العِبَر من تجاربِ تخَلّي الدولة عن مسؤولياتها لمصلحة أحزاب وقوى سياسية تعمل من خارج الأطرِ الدستورية والقانونية؟». وخَتم: «لقد دفع لبنان واللبنانيون غالياً مِن دمائهم واقتصادهم واستقرارهم ثمناً لتخاذل الدولة وعدمِ مبادرتها إلى تحملِ مسؤولياتها، وتنازل البعض عن القرارات السيادية والتلهّي بمعارك المحاصصة وتقاسمِ السلطة التي تعطّل قيامَ حكومة جديدة تتحمّل مسؤولياتها في معالجة المشكلات الداهمة ومن بينهما مشكلة النازحين».
«الاشتراكي»
وفي السياق، ثمَّن الحزب التقدمي الاشتراكي جهود الحريري «في محاولةِ كسرِ الحلقة المفرَغة التي تدور فيها عملية تأليف الحكومة»، وتمنَّت مصادره عبر «الجمهورية» أن تخرج التشكيلة الحكومية في أسرع وقت إلى العلن «على قاعدة احترام نتائج الانتخابات النيابية وعدمِ السعي إلى إقصاء أو إضعاف أيِّ مكوّن من المكوّنات السياسية حفاظاً على التوازنات الداخلية في لبنان، وحرصاً على انطلاق العمل في الملفات الاقتصادية الاجتماعية التي أصبَحت ضاغطة جداً وتستوجب علاجاتٍ فورية».
وتوقّفت المصادر نفسُها عند «محاولات البعض إعادةَ تعويم العلاقات اللبنانية ـ السورية» وذكّرَت بموقف الحزب الرافض لهذا التعويم، وقالت: «ها هو وزير الخارجية يطلِق مواقف، وهي ليست المرّة الأولى، في ملف السياسة الخارجية التي لا تُعبّر عن سياسة الحكومة اللبنانية مجتمعةً ولا تعكس وجهة نظرِ مختلف الأطراف المكوِّنة لهذه الحكومة. ففي الوقت الذي لا يزال الشعب السوري يعاني ما يعانيه من مآسٍ ودمار وتهجير، يسعى البعض في لبنان إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا لن يمرَّ مرور الكرام».
المطبخ التشريعي
ومع إتمامِ المجلس النيابي عُدّته التشريعية بانتخاب رؤساء اللجان النيابية وأعضائها والمقرِّرين، في جلسة عَقدها أمس، يُفترض الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي الانطلاق في عمله التشريعي.
وإذا كانت اللجان قادرةً على العمل الفوري من خلال اقتراحات قوانين قد يقدّمها بعض النواب وليس كمشاريع قوانين جديدة تُحال إليها من الحكومة، لأنّ الحكومة غائبة، والموجودة هي حكومة تصريف أعمال غير قادرة على الاجتماع والإنتاج، فإنّ المجلس النيابي بهيئته العامة، غيرُ قادر على الانعقاد نظراً لوجوده حاليّاً خارج عقدِه التشريعي العادي، وهو يمكن أن يستمرّ في هذه الحال من اليوم وحتى أوّلِ ثلاثاء بعد 15 تشرين الأوّل المقبل حيث يبدأ عقدُه التشريعي العادي الثاني وينتهي في آخِر السنة، اللهمّ إلّا إذا فتحت له دورة تشريعية استثنائية يتوافق عليها رئيسا الجمهورية والحكومة (إشارة هنا إلى أنّ تساؤلات تُطرح حول صلاحية الرئيس المكلّف بتوقيع مرسوم فتحِ دورة استثنائية في حال تقرّر إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية)، وإلّا إذا بادرت الأكثرية المطلقة من النواب الى الطلب من رئيس الجمهورية فتح دورةٍ استثنائية والتي توجب عليه فتح هذه الدورة فوراً وفقاً لِما ينصّ عليه الدستور. والاحتمالان واردان وفقاً للتطوّرات التي يمكن أن تحصل على الصعيد المجلسي.
جلسة تشاور
في سياقٍ متّصل، لا تزال التحضيرات لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري جارية لعقدِ جلسة تشاور نيابية غير رسمية محصورة بملفّ تعطيل تأليف الحكومة لمناقشة الأسباب الكامنة خلفه. وقالت أوساط بري إنه أبلغَ أمرَ عقدِ مِثل هذه الجلسة إلى الرئيس المكلف، وهو ينتظر ما يمكن أن يحصل من تطوّرات جديدة على جبهة التأليف تمهيداً لاتّخاذ القرار بعقدِها من عدمه، فإذا كانت إيجابيةً يصرف النظر عن الجلسة، أمّا إذا جاءت هذه التطوّرات سلبية فإنّ انعقاد تلك الجلسة سيكون حتمياً ويفتح فيها النقاش حول أسئلةٍ كثيرة عمّا يحصل من تعطيل للتأليف وأسبابه وتداعياته على البلد.