نشيط هو جبران باسيل بشهادة الجميع، فالرجل لا يهدأ، وربما لا ينام من كثرة التفكير والعمل، وإذا نام أخذته أحلامه الى ما هو أبعد بكثير، ليستيقظ من جديد ويسعى الى تحقيقها، ضاربا عرض الحائط كثير من صداقاته وتحالفاته، وغير آبه بالتداعيات والمخاطر التي قد تنتج عن طموحاته التي بدأت تنذر بما لا يُحمد عقباه..
يبدو جبران باسيل في سباق مع الزمن، فهو يدرك أن العصر السياسي الذهبي الذي يعيشه اليوم ويمنحه القدرة على التحكم بكثير من المفاصل لن يطول، لذلك عليه أن يحقق أكبر قدر من الاستفادة منه، بما في ذلك تعبيد الطريق أمامه للوصول الى قصر بعبدا خلفا لعمه الرئيس العماد ميشال عون.
لا يتوانى باسيل عن فتح كل الجبهات السياسية دفعة واحدة، ولو تسنى له فتح المزيد منها لفعل، لأن ما يخوضه حاليا هو معركة وجود بالنسبة له، لا مجال فيها للمساومة ولا للمهادنة، ولا للتنازلات، ولا للمحاباة، ولا لمراعاة الشركاء في الوطن بما يحفظ الصيغة والصلاحيات والتوازن والوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
لذلك، وأمام هذا الواقع، يسعى باسيل وبكل قوة الى إمتلاك “العصمة” السياسية، لكي يستطيع التحكم بمسار البيت اللبناني، ويكون له القرار، والكلمة الفصل، ولو كان الثمن غاليا جدا على البلاد العباد..
يمكن القول أن باسيل لم يترك لنفسه صاحبا، بدءا من الشارع المسيحي حيث يخوض حربا لا هوادة فيها مع القوات اللبنانية لمنعها من الحصول على حصة وزارية وازنة قد تزعجه في الحكومة المنتظرة، في حين يسعى الى إستدعاء حزب الكتائب الى ″بيت الطاعة″، والى إلغاء تيار المردة، لتصل حربه الى مصرف لبنان في محاولة لتهشيم صورة الحاكم رياض سلامة، وذلك لقطع الطريق على كل مرشح مفترض لرئاسة الجمهورية، متناسيا أن هذا التوتر الذي يجتاح مكونات الموارنة يسيء الى عهد عمه الذي من المفترض أن يكون قويا بجمع كلمة المسيحيين ووحدة صفهم، وليس بتناحرهم.
على المستوى الشيعي، كادت الفتنة أن تطل برأسها وأن تدخل البلد في المجهول، عندما إستهدف باسيل رئيس مجلس النواب نبيه بري واصفا إياه بـ″البلطجي″، فضلا عن الأخطاء الاستراتيجية التي إرتكبها وأزعجت كثيرا حزب الله الذي إذا كان لا يعبر عن هذا الانزعاج إحتراما لحلفائه، فلا يعني ذلك أنه راض عن الآداء والسلوك.
على الصعيد الدرزي، يحاول باسيل أن يلعب على التناقضات بين أبناء الجبل، وأن يفصّل الحصة الدرزية في الحكومة وفقا لمصلحة تياره، فضلا عن المواقف السياسية النارية التي يرى فيها البعض نبشا للقبور ونكئا لجراح الماضي.
أما فيما خص الطائفة السنية، فعين باسيل لا تغيب ولا تغفل عن صلاحيات رئيس الحكومة، وهو يتحين أي فرصة لكي يضع يده على كل ما أمكنه الوصول إليه من هذه الصلاحيات وفرض أعراف جديدة تتنافى مع إتفاق الطائف وتستفز السنة في لبنان، وما سعيه الدؤوب للحصول على ثلث ضامن في حكومة سعد الحريري المنتظرة، إلا محاولة منه للاستيلاء على مفتاح السراي الكبير وإضعاف رئيس الحكومة، هذا بالاضافة الى الطريقة الاستفزازية التي يتعاطى فيها باسيل مع ملف النازحين، ومع ملف التعيينات وإجتياح تياره للمؤسسات الرسمية في المناطق ذات الأكثرية السنية وحشوها بالموظفين، وصولا الى رفعه الصليب على جبل القلعة في بلدة بشتودار البترونية ذات الأغلبية السنية (70% سنة، و30 بالمئة مسيحيين) ما أثار ردود فعل مخيفة على مواقع التواصل الاجتماعي تضمنت مصطلحات طائفية ومذهبية لطالما سعى اللبنانيون الى مسحها من ذاكرتهم.
هذا السلوك الغريب يفرض سلسلة من التساؤلات لجهة: ماذا يريد جبران باسيل من هذه الحروب التي يشنها في أكثر من إتجاه؟، وهل يدرك خطورة ما يفعله في بلد يقوم على التوازنات؟، وما هي الجدوى السياسية أو الوطنية التي يتطلع إليها من خلال عدائه للجميع؟، ثم بعد ذلك، هل بهذا الاستفزاز يصل باسيل الى رئاسة الجمهورية؟.